بينما يواصل وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” انتشاره العالمي مسجلاً أكثر من 750 ألف إصابة وما يزيد عن 36 ألف وفاة في 199 دولة وإقليماً حول العالم حتى تاريخ 30 مارس 2020، تتعالى الأصوات المنادية بضرورة – بل وحتمية – تعزيز التعاون الدولي بين مختلف دول العالم ومنظماته الإقليمية والدولية، لتشكيل جبهة موحدة تتصدي للتهديدات الخطيرة ومتعددة الأبعاد التي يشكلها هذا الوباء على الإنسانية كلها، وتحجيم التداعيات العالمية الوخيمة التي يمكن أن تترتب عليه في المجالات كافة، ولاسيما الإنسانية والاقتصادية منها.
وجاء الاجتماع الاستثنائي الذي عقده قادة مجموعة العشرين عن بعد يوم 26 مارس 2020، عبر دائرة تلفزيونية، برئاسة المملكة العربية السعودية، رئيسة الدورة الحالية للمجموعة، وبدعوة منها لبحث أزمة الوباء العالمي، ليشكل أول تحرك جماعي دولي فاعل لمواجهة هذا الوباء بعد نحو ثلاثة أشهر من بداية تفشيه في الصين مطلع هذا العام، والتعامل مع التهديدات التي يفرضها على العالم.
وفي هذا السياق، تعرض هذه الورقة لأهمية تعزيز التعاون الدولي لمكافحة وباء كورونا المستجد، والتحديات التي يفرضها غياب هذا التعاون، وسبل تعزيزه. كما تناقش أهم النتائج التي خرج بها اجتماع قمة مجموعة العشرين الأخيرة، ولاسيما في ما يتعلق بجهود تحقيق التضامن الدولي وتوحيد جهود مواجهة هذا الوباء والتصدي لتداعياته الخطيرة على العالم.
أولاً – الانغلاق الوطني في مواجهة عولمة الوباء
شكل ظهور فيروس كورونا المستجد في مدينة وُوهَان الصينية نهاية العام الماضي 2019 وانتشاره السريع داخل الصين والعالم تجسيداً للعولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة مترابطة بما أتاحته التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصال والمواصلات من وسائل للأشخاص، والاستثمارات، ورؤوس الأموال، للتنقل عبر الحدود بسرعة كبيرة وسهولة؛ وهذا التدفق البشري السلس والضخم عبر الحدود، جعل من السهولة على أي مرض أو وباء الانتقال بسرعة كبيرة عبر العالم على غرار ما حدث مع وباء “كوفيد-19″، في إطار ما أصبح يعرف باسم “عولمة الأوبئة” التي تعكس أحد تجليات العولمة السلبية.
الانتشار السريع لوباء فيروس كورونا المستجد داخل الصين، وبداية تسربه عبر حدودها إلى باقي دول العالم كان يقتضي العمل منذ البداية على تعزيز التعاون الدولي لمواجهته انطلاقاً من حقيقة بديهية كان يجب أن يدركها الجميع مفادها أن هذا الفيروس لن يستقر داخل الصين ليس فقط لاعتبارات العولمة والترابط البشري، إنمّا أيضاً – وهو الأهم – لمكانة الصين الدولية وتشعب علاقاتها الاقتصادية؛ فهي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مصدر للسلع، ولديها نحو خُمس عدد سكان العالم، وكل هذا كان يعني حتمية انتقال الفيروس للعالم وانتشاره على نطاق واسع.
ولكن الملفت والغريب حقاً أن الاستجابات الوطنية لكثير من دول العالم لخطر الفيروس الجديد جاءت في بدايتها منغلقة وبعيدة عن فلسفة العمل الجماعي التعاوني التي تفرضها طبيعة هذا الفيروس المعولم، حيث لجأت هذه الدول إلى سياسات وقائية تقوم بالأساس على الانكفاء على الذات، ومحاولة منع الوباء من الوصول إليها والانتشار فيها، مثل إغلاق الحدود ومنع السفر والطيران وحظر التجوال وغيرها من الإجراءات الاحترازية.
ورغم أهمية هذه الإجراءات، فإنها لم تكون كافية وحدها لمواجهة هذا الوباء من دون تطوير آليات التعاون الجماعي، حيث بدت هذه الدول تواجه الفيروس بمفردها وبإمكانياتها الصحية المختلفة التي اتضح للجميع أنها محدودة وغير كافية حتى بالنسبة لأكبر دول العالم، مما دفع بالأمين العالم للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش إلى التحذير من أن أرواح الملايين ستكون في خطر ما لم يُظهر العالم تضامناً أكبر في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.
والأخطر من ذلك أن عددا من القوى الدولية – بما فيها قوى كبرى – دخلت في صراعات ومعارك جانبية أثارت الشكوك في جديتها في التعاون لمواجهة خطر الوباء الجديد؛ ومن ذلك الملاسنات الأمريكية – الصينية بهذا الشأن، حيث اتهمت بكين واشنطن بتعمد خلق حالة من الخوف وتضخيم الأمور بشأن فيروس كورونا، وبشكل لا ضرورة له للإضرار بصورتها وسمعتها، في ما استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصطلح “فيروس الصين” لوصف فيروس “كوفيد-19″، في خطوة أثارت غضب الصين.
كما تحدثت بعض وسائل الإعلام عن سعي ترامب لشراء لقاح تقوم شركة “كيور فاك” الألمانية بتطويره مقابل مبلغ مالي يقدر بمليار دولار لكي يمنح بلاده الحقوق الحصرية لإنتاج اللقاح وتسويقه واستخدامه، وهو ما أثار غضب المسؤولين الألمان ودفع وزير المالية الألماني للقول بأن بلاده “ليست للبيع”. ووصل الأمر إلى حد تلميح المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان، إلى قيام الولايات المتحدة بجلب الفيروس إلى مدينة ووهان الصينية.
لم يقتصر الأمر على الصين والولايات المتحدة اللتان تجمعهما علاقة تنافسية، فقد استغلت بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة والقوى المناهضة للعولمة ودُعاة القومية في الغرب انتشار هذا الفيروس الجديد لتأكيد توجهاتهم المنادية بالانغلاق على الذات ومناهضة المهاجرين، فيما استغلت الجماعات الدينية المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي في محاولة استعادة تأثيرها واستقطاب مزيد من الأفراد إلى صفوفها عبر ترويج خطابات دينية تعتبر أن انتشار هذا الوباء غضب إلهي بسبب الابتعاد عن الدين ومحاربة “المؤمنين”!.
لقد دفعت سياسات الانغلاق الوطني في مواجهة تهديدات الوباء الجديد، وغياب التضامن الدولي الواضح في التصدي لهذه التهديدات عددا من الباحثين والمتابعين إلى طرح تساؤلات جديرة بالمناقشة حول مستقبل النظام الدولي برمته، وحول مستقبل النظم الإقليمية، ولاسيما الاتحاد الأوروبي الذي كان أكثر المتضررين من هذه الأزمة، بخسائر بشرية فاقت الـ 20 ألف وفاة؛ ومن المؤشرات الدالة في هذا الصدد، التحذير الملفت الذي أطلقه رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، يوم 29 مارس 2020، والذي حذر فيه من أن الاتحاد الأوروبي بكامله “قد يفقد سبب وجوده” ما لم يكن على مستوى التحدي الذي تفرضه أزمة وباء فيروس كورونا المستجد.
كما بدأت كثير من القوى السياسية الأوروبية، ولاسيما اليمينية منها تطرح تساؤلات حول فائدة التكتل الأوروبي ذاته، في وقت لم تتضامن فيه دوله بشكل حقيقي في مواجهة أزمة وجودية مثل أزمة وباء “كوفيد-19″، ولاسيما مع قيام كل من فرنسا، وألمانيا بفرض قيود على تصدير المستلزمات الطبية إلى باقي دول الاتحاد، ورغم أن ذلك يبدو مفهوماً بالنظر إلى حقيقة أن هذه الدول ترغب في حماية نفسها ومواطنيها وخاصة أنها هي الأخرى تعاني من انتشار الوباء، لكن هذا السلوك أثار استياءً لدى الرأي العام الإيطالي، جسده تصريح رئيس الوزراء الإيطالي السابق ذكره؛ وكذلك تصريح السفير الإيطالي لدى الاتحاد الأوروبي يوم 23 مارس الذي أوضح فيه بأن الاتحاد لا ينبغي أن يترك إيطاليا وحيدة في هذه الأزمة كما تركها وحيدة في مواجهة أزمة اللاجئين، والصور التي نقلتها وسائل الإعلام لإيطاليين يقومون بإنزال العلم الأوروبي واستبداله بالعلم الصيني، بعدما قدمت بكين بعض الدعم لبلادهم.
ولم يقتصر الأمر على الإيطاليين، فقد صرّح رئيس الوزراء النمساوي سبستيان كورز بأن “مبدأ التضامن والتكاتف لا يعمل في أوروبا في ظل هذا الوضع الخطير”، في حين أكد رئيس وزراء جمهورية التشيك أندريه بابيس، الذي سارع إلى إغلاق حدود بلاده مع 15 دولة، أن “الدول الأوروبية لم تستطع تنسيق الوضع في ما بينها”.
لقد بدا العالم في المرحلة الأولى من انتشار وباء كورونا أقل تضامنا وتنسيقا وتعاوناً، وهذا في حد ذاته ربما ساهم في سرعة انتشار الوباء وتضخم تداعياته الخطيرة على كل المستويات الصحية، والإنسانية، والاقتصادية، وحتى الاستراتيجية، والأمنية، قبل أن تبدأ دول العالم تتدراك الأمر وتعمل علة توحيد وتنسيق جهودها لمواجهة هذا الوباء.
ثانياً – تعزيز التعاون الدولي في مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد:
لا خلاف على حقيقة أن الأخطار العالمية تستدعي تحركاً جماعياً لمواجهتها، حيث أظهرت الأزمات العديدة التي مرَّ بها العالم أنه لا يمكن لدولة واحدة مهما بلغت من قوة وتطور أن تواجه بمفردها أية أزمة ذات طابع عالمي، وأن التعاون الدولي حتمي لتحقيق نتائج إيجابية ذات مصداقية، ولاسيما في ظل ما شهده العالم من تنامي لظاهرة العولمة، وما يتربط بها من سرعة انتشار الأزمات عبر الحدودة. وإذا كان هذا يرتبط بالأزمات بشكل عام، فإن الأزمات المتعلقة بانتشار الأوبئة يكون التضامن والتعاون الإنساني في مواجهتها أكثر إلحاحاً، لأن خطرها يستهدف البشر جميعا، ولا يفرق بين شخص وأخر، أو بين طبقة وأخرى، أو بين دولة فقيرة وأخرى غنية، ولا يستهدف نظاماً سياسياً دون آخر، فالوباء يستهدف الجميع، ويجعل الناس في كل مكان يشعرون بالخوف ويقلقون من المصير الذي يمكن أن ينتظرهم إذا لم يتعاونوا في مواجهته.
ويزيد من أهمية تعزيز التعاون الدولي في مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد، عدة أمور أساسية، هي:
انتشار الأوبئة بشكل عام ينطوي على تداعيات خطيرة ومدمرة للمجتمعات البشرية على كل المستويات، فوفقاً للبنك الدولي، فإن انتشار وباء شديد الخطورة في أنحاء المعمورة قد يؤدي إلى مقتل عشرات الملايين من الناس، وتعطيل الحياة الاقتصادية، وزعزعة الأمن الوطني. وما يشهده العالم اليوم من تداعيات خطيرة يتسبب فيها وباء فيروس كورونا المستجد على المستويات الإنسانية، والاقتصادية، والاستراتيجية يؤكد هذه الحقيقة بجلاء.
واستمرار هذا الوضع الخطير أو تفاقمه مستقبلاً سيزيد من خطورة التهديدات والتداعيات التي يشكلها الوباء على البشرية؛ فإلى جانب الخسائر البشرية المتزايدة عبر العالم، والتي أصبحت تعد بعشرات الآلاف، والإصابات التي تجاوزت الـ 750 ألف إصابة، مع توقعات بتخطي حاجز المليون قريبا جداً، دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة “ركود” وفق تصريح مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا يوم 27 مارس 2020، نتيجة توقف حركة السفر والسياحة بصورة شبه كلية، وتعطل الكثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية، والتي دفعت عددا من دول العالم إلى إقرار خطط إنقاذ اقتصادية غير مسبوقة، بتريليونات الدولارات، حيث اقرت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أكبر خطة انقاذ اقتصادي في تاريخها بقيمة 2.2 تريليون دولار لمواجهة العواقب الاقتصادية للوباء.
كما أعلنت العديد من دول العالم عن خطط انقاذ غير مسبوقة أيضاً لمواجهة التداعيات الاقتصادية للوباء، فيما طلبت أكثر من 80 دولة، أغلبها نامية، مساعدة عاجلة من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصاداتها الوطنية، وفقاً لتصريحات مديرة الصندوق. وعلى المستوى السياسي/ الاستراتيجي، تتحدث الكثير من الدراسات الموضوعية عن تغييرات محتملة قد تشهدها توازنات القوى العالمية وأنماط التفاعلات والتحالفات في بنية النظام الدولي في ضوء النتائج والتداعيات النهائية التي سيخلفها هذا الوباء.
أثبتت الأزمة حتى الآن أن دول العالم – بما فيها الدول المتقدمة والكبرى – غير قادرة بمفردها على منع انتشار وباء فيروس كورونا المستجد في أراضيها، ناهيك عن التعامل مع تداعياته الخطيرة، رغم ما تتمتع به من تقدم علمي وطبي؛ ففي دول كبرى مثل الولايات المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وغيرها، عانت مؤسسات القطاع الصحي بشكل كبير تحت ضغط الإصابات المتزايدة في صفوف مواطنيها وعدم قدرة المستشفيات وغرف العناية المركز عن استيعابها. كما عانت هذه البلدان من نقص كبير في المستلزمات الصحية والطبية والوقائية اللازمة لحماية حتى أفراد الكادر الطبي، وهو ما يؤكد أهمية تعزيز التعاون الدولي في مثل هذه الظروف.
تأخر التوصل إلى إنتاج لقاحات فعالة لعلاج فيروس كورونا المستجد والوقاية منه يفرض تعزيز التعاون العلمي بين دول العالم المختلفة في مجال الأبحاث الطبية، بدلاً من التنافس الذي ميز الفترة الماضية، وسعي كل دولة أو شركة إلى تحقيق سبق على حساب الدول والشركات الأخرى؛ فالتعاون المعرفي وتبادل معلومات وبيانات البحث العلمي هو أمر أكثر من حيوي لتسريع جهود اكتشاف وتصنيع لقاحات جديدة لمكافحة الفيروس والخروج من الدائرة الخطيرة التي يفرضها هذا الوباء على العالم.
معاناة الدول المتقدمة والمتطورة من تداعيات الفيروس الجديد، تجعل كثير من المتابعين متخوفين من أن ينتشر الوباء في دول فقيرة ليس لديها الإمكانيات التي تساعدها على التصدي له، وهو ما يفرض النظر بجدية في موضوع تعزيز التعاون الدولي، لوقف انتشار هذا الوباء، وحماية الجميع، بما في ذلك الدول الفقيرة والنامية من تداعياته الخطيرة.
لقد قطعت البشرية بالفعل شوطاً مهماً في مجال التعاون الدولي في مجال الصحة العامة ومكافحة الأوبئة والأمراض السارية في العقود الماضية، وتم إقرار العديد من الهياكل التنظيمة الدولية المسؤولة عن تعزيز التعاون الدولي في هذه المجالات، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي الذي وجه جزء من سياساته ومواردة لدعم القطاع الصحي في دول العالم المختلفة. كما تم إقرار العديد من المبادرات والشراكات الدولية في مجال مكافحة الأمراض والأوبئة مثل تأسيس المجلس العالمي لرصد التأهب (The Global Preparedness Monitoring Board)، وهو هيئة مستقلة للرصد والمساءلة تأسست استجابةً لتوصيات فريق العمل المعني بالأزمات الصحية العالمية التابع للأمين العام للأمم المتحدة في عام 2017، والصندوق العالمي لمكافحة الأيدز والسل والملاريا، والتحالف العالمي للقاحات والتحصين، وغير ذلك الكثير من المبادرات والمؤسسات التي جاءت ثمرة للتعاون الدولي، وكان لها دورها المهمة في تعزيز الصحة العامة ومكافحة الأمراض على مستوى العالم.
وعلى الرغم من أن التعاون الدولي في مجال مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد لم يكن على المستوى المأمول، فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن هناك بعض صور التعاون والتضامن التي تحققت بين الدول وبعضها البعض، وبينها وبين منظمة الصحة العالمية، ساهم بشكل ما في تبادل الخبرات في ما بينها في كيفية التصدي لوباء “كوفيد-19″، وأفضل دليل على ذلك هو تشابه الإجراءات المطبقة في جميع دول العالم تقريباً لمواجهة انتشار الفيروس، والاتصالات المستمرة بين دول العالم ومنظمة الصحة العالمية. كما فتحت العديد من دول العالم مجالات للتعاون والتنسيق المشترك فيما بين بعضها البعض، ولاسيما مع الصين للاستفادة من تجربتها في محاصرة الوباء على أراضيها وتحجيمه بصورة كبيرة. وعلى المستوى الاقتصادي، أقرت المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي خططاً لدعم الاقتصادات الوطنية في مواجهة الأزمة، كما عقد وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية مؤتمرا بالفيديو ناقشوا فيه التأثيرات على الاقتصاد، واتفقوا على تنسيق العمل، قبل انعقاد قمة مجموعة العشرين الافتراضية التي جاءت تجسيداً للوعي الدولي المتزايد بأهمية التعاون لمواجهة هذا الوباء ومخاطره.
ثالثا – قمة مجموعة العشرين والمواجهة الشاملة لوباء كورونا:
تمثل مجموعة العشرين أحد أكبر التكتلات الدولية ذات التأثير على السياسات العالمية، وهي تضم في عضويتها الدول صاحبة أكبر عشرين اقتصاداً في العالم. وتمثل مجتمعةً حوالي 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلثي سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية.
ورغم أن المجموعة نشأت في البداية كتكتل لتنسيق التعاون الاقتصادي الدولي، إلا أنها أصبحت تشكل إطاراً دولياً مهماً لمناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية الدولية، ومن ثم فإن اجتماعها الطارئ الذي دعت إليه وترأسته المملكة العربية السعودية عبر الدوائر التلفزيونية يوم 26 مارس 2020، شكل حدثاً مهماً باعتباره أول اجتماع دولي رفيع المستوى يبحث سبل تعزيز التعاون الدولي وتنسيق الجهود الدولية لمكافحة وباء كورونا المستجد، وتهديداته المتنامية. وعزز من أهمية هذه القمة الافتراضية أمور عدة:
أولها: أنها ضمت إلى جانب قادة الدول الأعضاء العشرين فيها، قادة ورؤساء العديد من المنظمات الدولية الأخرى المهمة، مثل منظمة الصحة العالمية، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومجلس الاستقرار المالي، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية. إضافة إلى الدول التي تتولى رئاسة المنظمات الإقليمية مثل فيتنام التي تتولى الرئاسة الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، وجنوب إفريقيا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، ودولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها رئيسا للدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورواندا بصفتها رئيسا للشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، وهذا التنوع الكبير في عدد المشاركين في القمة جعل منها منتدى جمع العالم بجميع أطيافه، وهو أمر مهم عند الحديث عن التعاون الدولي لمواجهة أزمة عالمية بحجم وباء “كوفيد-19”.
الأمر الثاني: هو سيطرة النبرة التعاونية/التصالحية على كلمات جميع القادة المشاركين في القمة، وتأكيداتهم على أهمية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه الجائحة العالمية وتداعياتها، وأهمية توحيد الجهود الدولية لحماية العالم، ولاسيما الدول الضعيفة التي ليست لديها القدرات التي تساعدها على مواجهة الوباء، وهو أمر شكل في حد ذاته مؤشراً إيجابياً على الإدراك الدولي لأهمية تعزيز التعاون وتنسيق الجهود العالمية لمواجهة الوباء، بعيداً عن الخلافات والتباينات والانقسامات التي عادة ما تميز الاجتماعات الدولية.
الأمر الثالث: ويرتبط بشمولية التناول لأزمة الوباء، فالقمة ركزت في تناولها على مختلف أبعاد القضية بداية من الجانب الصحي/الإنساني، مروراً بالجانب المالي/الاقتصادي، وانتهاءً بالأبعاد السياسية والاستراتيجية، وهو ما يعكس وعياً بتداخل هذه الأبعاد المختلفة وتأثيراتها متعددة الاتجاهات.
الأمر الرابع: ويكتسي بعداً إقليمياً – عربياً – خليجياً يرتبط بالدور المهم الذي لعبته المملكة العربية السعودية في المبادرة بالدعوة إلى عقد هذه القمة، والإعداد الجيد لها، والإدارة الفاعلة لأعمالها إلى أن خرجت بالنتائج المهمة التي توصلت إليها، وهو الأمر الذي يؤكد المكانة الدولية التي أصبحت تحظى بها المملكة، والدور الذي أصبحت تلعبه عالمياً. كما يرتبط هذا الأمر بالمشاركة الفاعلة لدولة الإمارات في فعاليات القمة ممثلة لمجلس التعاون الخليجي، والتي توجت العديد من سياسات ومبادرات التعاون والتضامن التي أظهرتها هذه الدولة مع الدول المختلفة المتضررة جراء الوباء.
الأمر الخامس والأخير: ويتعلق بالنتائج التي توصلت إليها القمة، وهي نتائج مهمة بكل المقاييس، ولاسيما على صعيد تنسيق الجهود الدولية لمواجهة الوباء، على المستويات كافة:
ففي الجانب الصحي، أكد البيان الختامي لقادة القمة الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية، والتزامهم بتعزيز إطار الصلاحيات المخولة لها بتنسيق الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد، وسد فجوة التمويل في خطة استجابتها للوباء، فضلا عن زيادة طاقة تصنيع الإمدادات الطبية وتعزيز قدرات الاستجابة للمرض المعدي وتبادل البيانات الإكلينيكية.
وفي المجال الاقتصادي، تعهد قادة المجموعة بضخ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي من خلال إجراءات وطنية بهدف تخفيف آثار الوباء العالمي. كما تعهدوا “بالقيام بكل ما يلزم واستخدام كافة أدوات السياسات المتاحة للحد من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الوباء، واستعادة النمو العالمي، والحفاظ على استقرار الأسواق وتعزيز المرونة”.
وفي مجال التعاون الدولي، أكد القادة أنهم “ملتزمون بشدة بتشكيل جبهة متحدة لمواجهة هذا الخطر المشترك”. كما عبر القادة عن قلقهم من المخاطر على الدول الهشة، لا سيما في أفريقيا، وعلى فئات من السكان ومنهم اللاجئون وأقروا بضرورة تعزيز شبكات الضمان المالي العالمية والأنظمة الصحية الوطنية.
ورغم بعض الانتقادات التي وُجِهت لنتائج القمة، ولاسيما في ما يتعلق بعدم وجود آليات محددة تضمن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وعدم قدرة القمة على حسم بعض الملفات الخلافية، مثل قضية الحواجز الجمركية، والقيود التي تفرضها بعض الدول على صادرات الإمدادات الطبية، وهي قضية مهمة للتعاون الدولي في مواجهة انتشار الوباء، وغير ذلك من انتقادات قد تبدو موضوعية، فإن ذلك لا يقلل من أهمية نتائج القمة، باعتبارها أول وأهم اجتماع دولي متعدد الأطراف يُعقد لتنسيق الجهود الدولية لمواجهة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، ويعيد التأكيد على أهمية تعزيز التعاون الدولي في مكافحة هذا الوباء الخطير.
خاتمة:
أثبتت أزمة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، أنه لا يمكن لأي دولة مهما بلغت من قوة وتطور، أن تواجه بمفردها أزمة عالمية بحجم جائحة كورونا المستجد، وأن التعاون الدولي وتنسيق الجهود العالمية كافة لمكافحة هذه الجائحة، هو الطريق الصحيح وربما الوحيد، لحماية البشرية من خطرها، واحتواء تأثيراتها السلبية على العالم كله. وإذا كان اجتماع قمة مجموعة العشرين الذي دعت إليه السعودية وترأسته، قد شكل – بالنتائج التي توصل إليها – محطة مهمة في مسيرة تعزيز هذا التعاون الدولي المطلوب، فإن مواصلة العمل الدولي الجماعي وتوحيد الجهود العالمية للتصدي لهذا الوباء، وتطوير الاستجابة العالمية للأوبئة المحتملة مستقبلاً، لا يعد فقط أمراً مهما، وإنما حاسماً لحماية البشر والحفاظ على أمنهم وازدهارهم وتطورهم.