Insight Image

ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله؟.. مستقبل حزب الله ومآلات المواجهات مع إسرائيل

29 سبتمبر 2024

ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله؟.. مستقبل حزب الله ومآلات المواجهات مع إسرائيل

29 سبتمبر 2024

مقدمة:

  • يشكّل حادث اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، نقطة تحول في تاريخ الحزب، ستكون لها تداعياتها على مصيره، ومستقبل ومآلات مواجهاته المسلحة مع إسرائيل، وربما أيضا علاقته بإيران والمحور الشيعي الذي تقوده.
  • يأتي هذا الحادث بوصفه الأبرز ضمن سلسلة من “العمليات الناجحة” التي نفذها الجيش الإسرائيلي، وعطّلت بشكل كبير نظام القيادة والسيطرة لدى حزب الله، وقوّضت عددًا ضخمًا من قياداته السياسية والعسكرية، وحيّدت جزءًا كبيرًا من قدراته الاستراتيجية، في أقل من أسبوع، منذ بدأت حملتها الجوية الكثيفة ضد الحزب.
  • في الواقع، تحقق إسرائيل نجاحًا تكتيكيًا سريعًا في لبنان، وبما لا يُقاس بحملتها في قطاع غزة، التي استغرقت أكثر من 11 شهرًا، وأودت بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء في قطاع غزة، إلى أن وصلت إلى محصلة يمكن وصفها بأنها أضعفت – وليس أنهت – قدرات “حماس”. أما في لبنان، فقد تمكنت، خلال فترة وجيزة نسبيًا، من القضاء على معظم قيادات الصف الأول في حزب الله على المستويين السياسي والعسكري. ولربما يتحول تكتيك الاستهداف المركز إلى نصر استراتيجي، في حال نجحت تل أبيب في تقويض قدرات الحزب وإضعافه وتحييد قدراته، إلى المستوى الذي لا يشكل فيه تهديدًا حقيقيًا لشمال إسرائيل.
  • في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أنه كان بإمكان إيران ومحورها، بما فيه حزب الله، الرد على العمليات الإسرائيلية، التي طالت حتى قلب العاصمة الإيرانية طهران، بطرق عديدة، فإن التردد وبطء الاستجابات منحا تل أبيب الفرصة لضرب أكبر عدد ممكن من الأهداف، وتهديد حزب الله وجوديًا، قبل أن تقرر الجمهورية الإسلامية ومحورها شكل وحجم الرد المناسبين!

*هل سيسقط حزب الله في الفوضى؟:

إن الرهان على إمكانية سقوط الحزب في الفوضى وتفكيك أواصره، بعد فقدان القيادة والسيطرة، لا يمكن أن يتحقق بقتل قيادته السياسية والعسكرية فقط، وذلك بالنظر لأمور متعددة، أهمها:

  • إن الدور المتعدد الأوجه، الذي يلعبه حزب الله في لبنانــ بما في ذلك حضوره السياسي وسيطرته على شبكات الرعاية الاجتماعية ــ يوفر حاجزًا ضد الانهيار. على النقيض من الجماعات والتنظيمات الأصغر حجمًا التي تتفكك عندما تفقد قادتها، فإن حزب الله متأصل في المجتمع اللبناني، الأمر الذي يجعل بقاءه أكثر ترجيحًا، حتى في ظل عمليات قطع رؤوس القادة، لا سيما أن التنظيم يستمد قدرته على الصمود إلى حد كبير من جذوره الأيديولوجية العميقة، وبنيته الواسعة والدعم الواسع النطاق القادم من إيران.
  • أثبتت مسيرة حزب الله، الممتدة لأكثر من 40 عامًا، أنه لا يعتمد فقط على القادة الأفراد. فالتنظيم يعمل ككيان منظم ومنضبط للغاية، مع آليات داخلية قوية تسمح له بالصمود في وجه التحولات القيادية. وبالتالي، فإن خسارة قيادته العليا، على الرغم من كونها هائلة، قد لا تكون بالضرورة وجودية.
  • لا تزال القيادة الأمنية لحزب الله، بحسب ما هو متاح من معلومات حتى الآن، سليمة لم تُمس، بل وتمارس مهامها في ضبط وتنظيم صفوف الحزب، وتنسيق العمل الميداني داخليًا وخارجيًا. فضلًا عن أنه في حال صحت الأخبار حول سلامة خليفة نصرالله المنتظر، هاشم صفي الدين، فمن المحتمل أن يمارس الحزب حملة مكثفة وعنيفة ضد أهداف ومدن إسرائيلية، كما سيأتي لاحقًا.

ما الذي تريده إسرائيل من حملتها في لبنان؟

  • بعد 11 شهرًا من عملية “السيوف الحديدية”، وبعد تأكد إسرائيل من أن “حماس” باتت في أضعف حالاتها منذ نشأتها، وفي ظل تردد حزب الله وإيران في الرد على تل أبيب، كما هددا مرارًا، بدأت إسرائيل نهجًا جديدًا؛ إذ قررت ممارسة الضغط العسكري الكثيف على حزب الله؛ لتنهي بذلك استراتيجية “ضربات الاستنزاف المتبادلة” التي ظلت الديناميكية الحاكمة لقواعد الاشتباك هناك منذ 8 أكتوبر، تمهيدًا لخوض مواجهة مفتوحة؛ من أجل تغيير المعادلة في مواجهة الحزب. وفيما يلي الخطوات التي اتخذتها إسرائيل منذ 17 سبتمبر:

أولًا، غيرت الحكومة الإسرائيلية يوم 17 سبتمبر هدف الحرب على لبنان من “حراسة الشمال”، كجبهة ثانوية، إلى هدف إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. وكان هذا إجراءً حكوميًا لجعل العمليات العسكرية والاستخباراتية الوشيكة التي ينفذها الجيش والموساد في لبنان جزءًا من الحرب، وتخصيص الموارد، وفقًا لذلك.

ثانيًا، بدأت إسرائيل حملة ضد قادة حزب الله وكبار مقاتليه، وكانت عملية نسف أجهزة “النداء الآلي” واللاسلكي” بين يدي الآلاف من قيادات وعناصر حزب الله، يومي 17 و18 سبتمبر، هي العملية النوعية الكبرى والفريدة من نوعها، التي حرمت الحزب من جهود الآلاف من عناصره المدربة، بعد إصابة- وفق أقل التقديرات- نحو ألفين من عناصره المدربة بعجز كلي؛ نتيجة الانفجارات.

ثالثًا، شنت إسرائيل ضربة نوعية في بيروت في 20 سبتمبر، أدت إلى مقتل جميع قادة “وحدة الرضوان” تقريبًا، خلال اجتماع سري. تمثل “وحدة الرضوان” قوات العمليات الخاصة لحزب الله، بالإضافة إلى مقتل نحو 18 من قيادات الصفين الأول والثاني، السياسية والعسكرية للحزب، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصرالله، في عمليات استهداف دقيقة، تشير إلى اتساع حجم وعمق الاختراقات الإسرائيلية للحزب وكوادره.

رابعًا، بدأت إسرائيل حملة قصف جوي مكثفة استهدفت مخزونات ومستودعات الأسلحة والذخيرة لدى حزب الله، ومنصات إطلاق الصواريخ والقذائف. والمرجح أن تستمر هذه الحملة أسابيع عدة؛ بهدف تقليص مخزون الحزب من الصواريخ والقذائف بشكل منهجي، الذي كان يقدر بما بين 120 و150 ألفًا في بداية الحرب. يجري هذا في محاولة لمنع حزب الله من إغراق القبة الحديدية الإسرائيلية بوابل أكبر كثيرًا من الصواريخ والقذائف.

  • يبدو أن حملة التدمير والاغتيالات التي شنتها إسرائيل، والضربات الاستباقية، والغارات الجوية ضد منصات إطلاق الصواريخ ومستودعات التخزين، قد أصابت حزب الله بالصدمة؛ إذ لم ينخرط الحزب حتى الآن في ردود عسكرية تكافئ ضراوة الحملة الإسرائيلية. ومع ذلك، فقد لا تستمر حالة الصدمة والفوضى كثيرا ضمن صفوف حزب الله، ولا يزال من المحتمل أن يعيد تنظيم صفوفه، ويبدأ حملة مضادة في وقت قصير.
  • لهذا، ليس من المرجح أن تتوقف إسرائيل، بعد اغتيال زعيم الحزب حسن نصرالله، حتى لو تأكدت تمامًا من ضرب مواقع الحزب كافة في الجنوب اللبناني وحتى نهر الليطاني. وعلى الأرجح، ستستمر في حملتها حتى تستنزف قدرات الحزب كافة، التي تعدّها تهديدًا لإسرائيل في أنحاء لبنان كافة.

ما الذي سيفعله حزب الله؟.. الخيارات والتحديات:

  • سيعتمد ما سيأتي بعد اغتيال حسن نصرالله على ما سيفعله الحزب، وما ستفعله إيران. والملاحظ حتى الآن أن سلسلة العمليات السرية والعلنية التي شنتها إسرائيل، في الآونة الأخيرة، ضد حزب الله، وردود الفعل المنضبطة نسبيًا من جانب الحزب، تسببت في اعتقاد أصبح شائعًا، على نطاق واسع، بأن الحزب لم يعد قادرًا على الدفاع عن عناصره وردع إسرائيل، ولا يزال مستمرًا في تحمل الخسائر التي تكبدها؛ نتيجة لحملة القصف الإسرائيلية الواسعة النطاق والعمليات السرية.
  • لكن اغتيال نصرالله (الذي يعد الشخصية الأكثر نفوذًا، ليس فقط في حزب الله، وإنما بين العديد من الشيعة اللبنانيين، بوصفه زعيمًا دينيًا، ونائبًا للمرشد الأعلى علي خامنئي في لبنان)، يجبر حزب الله على شن ضربات موسعة على إسرائيل؛ في محاولة لتنفيذ عملية انتقامية، وردع المزيد من المحاولات الإسرائيلية؛ لاستهداف ما تبقى من قادة الحزب.
  • ورغم أن حزب الله لا يزال يتعافى من تعطيل قيادته وسيطرته، عقب هجمات أجهزة النداء والاغتيالات المستهدفة الأخيرة، فإن تقديرات أمريكية غير رسمية تشير إلى أن الحزب لا يزال قادرًا على إطلاق وابل كبير من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى على المدن الإسرائيلية الكبرى والمواقع العسكرية. ومع تسريع وتيرة عملياته لاستهداف إسرائيل على نطاق أوسع، فمن المرجح أن يستخدم حزب الله أيضًا صواريخه الباليستية البعيدة المدى والأكثر تطورًا، فضلًا عن الصواريخ والقذائف التي تزن حمولات أثقل من المتفجرات؛ لاستهداف المدن الإسرائيلية الكبرى، حيفا وتل أبيب. بالإضافة إلى ذلك، سوف يواصل الحزب قصف مناطق الجليل الأعلى والوسطى والسفلى في إسرائيل.
  • ومن المرجح أن تكون هذه الضربات مصممة بشكل متزايد؛ لإرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وإلحاق خسائر كبيرة في الأرواح؛ ردًا على محاولة اغتيال نصرالله.
  • ومع ذلك، فإن حملة موسعة لحزب الله على إسرائيل تظل مرهونة من جانب آخر بوجود قيادة حازمة تتمتع بالقبول والشرعية الواسعين داخل صفوفه، مثل رئيس مجلسه التنفيذي، هاشم صفي الدين، خليفة نصرالله المسمَّى من قبل.
  • يتوقف استمرار قدرة القيادات الأمنية على ضبط صفوف الحزب وتواصله مع الأجهزة في لبنان وخارجها، وتمثلها شخصيتان رئيسيتان هما؛ طلال حمية، المسؤول عن التخطيط والإشراف على العمليات العسكرية لحزب الله خارج لبنان والتجنيد في الخارج، ووفيق صفا، رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله والمسؤولة عن التنسيق مع الأجهزة الأمنية في بيروت.

الحسابات الإيرانية.. ما الذي ستفعله طهران؟

  • قبل بضعة أيام من العملية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية، التي أسفرت حتى الآن عن مصرع حسن نصرالله وعدد آخر من قادة الحزب، ورَد أن حزب الله ناشد النظام الإيراني القيام بعمل عسكري مباشر ضد إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن طهران لم تستجب للطلب. ويبدو أن إيران لا تجد أي سبب للتدخل المباشر في هذه المرحلة، وتعتقد أن إسرائيل لا تستطيع إنزال الهزيمة الكاملة بحزب الله، ولكن ستُستدرج إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.
  • أيضًا، يبدو إحجام طهران عن الاستجابة للتحديات الإسرائيلية مرتبطًا باستراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع نطاقًا. فإيران منخرطة حاليًا في جهود دبلوماسية مع الغرب، خاصة فيما يتصل ببرنامجها النووي، والتدخل العسكري المباشر في لبنان سيخلط الأوراق الإيرانية تمامًا في هذا الملف.
  • كذلك، فضلت طهران أن تظل موردًا ومنسقًا للهجمات المسلحة ضد إسرائيل بطريقة تتجنب إعطاء تل أبيب مبررًا لضرب أهداف استراتيجية داخل أراضيها، أو تدفع الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر ضد إيران نيابة عن إسرائيل. يشير هذا الأمر إلى أن طهران تتحرك بحذر؛ لتوازن بين رغبتها في تجنب الصراع المكلف، والحاجة إلى الحفاظ على صورتها كحليف موثوق به لدى حزب الله وغيره من الحركات المتحالفة معها. عند هذه النقطة، يمكن القول إن إيران ربما كانت ترغب في تكرار سيناريو عام 2006 حين حارب حزب الله منفردًا ولم تتدخل، وتركته وحيدًا يواجه انكسار الهزيمة أو يحصد أكاليل النصر.
  • في ظل استمرار حملة الاغتيالات والهجمات المستهدفة التي تشنها إسرائيل ضد حزب الله، ستزيد طهران من حجم مساعداتها لحزب الله؛ لضمان بقائه، وكذلك ستدفع الميليشيات الإقليمية الأخرى في “محور المقاومة” إلى شن هجمات لدعمه. تشمل هذه الميليشيات الحوثيين في اليمن، وحزب الله في العراق، التي تعهدت بالفعل باستهداف البنية التحتية المدنية والعسكرية لإسرائيل بطائرات دون طيار وصواريخ باليستية، إذا اندلعت حرب أوسع نطاقًا أخرى بين إسرائيل وحزب الله؛ لإرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
  • ومع ذلك، فإن إحجام إيران عن اتخاذ أي إجراء نوعي وفاعل، خاصة بعد فشلها في حماية زعيم حزب الله، نائب المرشد الإيراني الأعلى في لبنان، وقبله، منع هزيمة “حماس” من جانب إسرائيل، يثير تساؤلات حول استعدادها لحماية حلفاء طهران في لحظات الأزمة.
  • في هذا السياق، ثمة تقديرات غير مرجحة بأن التهديد الوجودي الذي تتعرض له الآن القيادة العليا لحزب الله، سيشكل حافزًا سياسيًا واستراتيجيًا لإيران؛ للانخراط في عمليات مباشرة ضد إسرائيل؛ لتعزيز مكانتها كشريك وحليف موثوق به لأعضاء “محور المقاومة”.

مآلات الضربات ضد حزب الله.. السيناريوهات المحتملة للمواجهة مع إسرائيل:

لا شك في أن الضربات التي وُجهت ضد حزب الله تمثل تهديدًا غير مسبوق يرقى لأن يكون “وجوديًا” للحزب، وستكون لها تداعيات كبيرة ستتكشف تباعًا، سواء على وضعه في الداخل اللبناني، أو في سياق المواجهة مع إسرائيل. ومع ذلك، وفي هذا الوقت المبكر، وقبل أن تتوافر معلومات دقيقة عن حجم خسائر حزب الله، فإن تحقق أيٍّ من السيناريوهات التي سنطرحها يرتبط بعوامل لا تزال متحركة وغامضة نوعًا ما. ولهذا، ربما تكشف الأيام القادم عن تحقق أي من هذه السيناريوهات، وربما أجزاء منها معًا.

السيناريو الأول؛ تكثيف إسرائيل الضغط العسكري على حزب الله وصولًا إلى العملية البرية

  • وهو السيناريو المتوقع، ويتأسس على مدركات لدى تل أبيب، مفادها أن وضع حزب الله الحالى الضعيف والمتصدع يوفر لها فرصة لتوجيه مزيد من الضربات؛ من أجل فرض المزيد من تدهور القدرات الاستراتيجية للحزب، قبل أن تتزايد الخسائر بين المدنيين والأضرار التي تلحق بالبنية الأساسية في لبنان، وقبل أن تتصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل؛ لوقف العمليات. وبعد أن تتأكد إسرائيل من تحطيم القدرات الاستراتيجية لحزب الله تمامًا، يمكنها في هذه الحالة أن تضع استراتيجية خروج منسقة مع الولايات المتحدة لإنهاء الصراع في الشمال، منفصلة عن المفاوضات الجارية بشأن الرهائن الإسرائيليين في غزة.
  • في ظل سيناريو كهذا، ستواصل تل أبيب محاولة قتل قادة حزب الله الرئيسيين، وسط شبح الغزو البري لجنوب لبنان. والنتيجة الاستراتيجية المفضلة لإسرائيل في لبنان هي انسحاب حزب الله من حدود البلدين شمال نهر الليطاني، دون الحاجة إلى غزو بري مكلف محتمل. وتعتقد تل أبيب حاليًا أنها قادرة على تحقيق هذه الغاية من خلال الاستمرار في مهاجمة قيادات حزب الله وبنيته الأساسية، على أمل إرغامه في نهاية المطاف على خفض التصعيد والانسحاب من الحدود، من خلال زيادة التهديد الوجودي المتصور الذي تشكله إسرائيل على حزب الله.
  • ومن المرجح أن تواصل تل أبيب، بفضل أنظمتها الدفاعية الجوية التي نجحت حتى الآن في التخفيف من الخسائر الإسرائيلية الناجمة عن الهجمات المسلحة، تعميق حملتها للقضاء على قادة حزب الله.
  • وفي حال عدم استسلام الحزب بسرعة لمثل هذه الحملة، مفضلًا، بدلًا من ذلك، شن حرب استنزاف مطولة ضد إسرائيل، فإن تل أبيب بدورها ستصبح أكثر ميلًا إلى التفكير في التوغلات البرية في جنوب لبنان، وربما حتى غزو بري كامل النطاق لإنشاء حاجز مادي بينها وبين مقاتلي حزب الله.
  • كذلك يفترض هذا السيناريو أن النفوذ الدبلوماسي الكبير الذي ستتمتع به إسرائيل، في نهاية الحملة، سيمكنها من فرض ترتيبات تلبي مصالحها وأهدافها، بدلًا من قبول الوضع الراهن الذي اقترحه الأمريكيون والفرنسيون في المبادرة التي طرحوها الأسبوع الماضي. وفي حين يظل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 يشكل أساسًا قابلًا للتطبيق، فربما سترى إسرائيل من الأهمية بمكان تنفيذ آليات إنفاذ قوية وضمان رد حازم على أي انتهاكات محتملة يرتكبها حزب الله. عند هذه النقطة، قد تسعى تل أبيب لفرض وضع يمكنها من الرد عسكريًا على أية “تهديدات” مستقبلية لحزب الله، أو “خروقات” لما تم الاتفاق عليه.

السيناريو الثاني: نجاح حزب الله في “اختبار نقل القيادة” ومفاقمة الحالة الأمنية داخل إسرائيل

  • يتأسس هذا السيناريو على صعود شخصية بحجم وسمات “هاشم صفي الدين”، الرئيس التنفيذي لحزب الله، إلى موقع قيادة الحزب، وما يعنيه ذلك من نقلة مهمة تنهي تردده في توجيه ضربات كثيفة ومركزة ضد أهداف استراتيجية إسرائيلية، وذلك حسبما يتردد بأن “صفي الدين” كان من أنصار استهداف تل أبيب مباشرة، بعد اغتيال القيادي في حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 2 يناير 2024، أي بعد أقل من 3 أشهر على بدء الحرب في غزة. لذلك، فإن صعوده، في حال تأكد نجاته من القصف الذي طال اجتماع حارة حريك في 27 سبتمبر، سيمثل فرصة لتوجيه ضربات انتقامية ضد إسرائيل، حيث سيستخدم الحزب قدراته العسكرية الاستراتيجية كالصواريخ الباليستية لضرب العمق الإسرائيلي، ومن ثم مفاقمة الحالة الأمنية داخل إسرائيل.
  • ستعتمد تبعات الضربات الانتقامية لحزب الله على ردود الأفعال الإسرائيلية والأمريكية. فإذا كانت واشنطن حريصة بالفعل على عدم الدخول في حرب إقليمية شاملة، فربما تضغط على إسرائيل؛ كي تضبط استجابتها، وتوقف أو تخفض حملتها ضد حزب الله، خاصة أن الحزب آنذاك، وبعد تنفيذه لما وعد به من الثأر لمقتل قياداته، سينشغل بإعادة ترتيب صفوفه وإجراء تحقيقات داخلية؛ لمعالجة الاختراقات عن توجيه مزيد من الضربات ضد إسرائيل.

السيناريو الثالث؛ دفع إيران باتجاه دخول الميليشيات التابعة لها في سوريا إلى داخل لبنان

  • وهو سيناريو ضعيف، ويفترض قيام طهران بالدفاع عن حزب الله بشكل غير مباشر، من خلال عدم الاكتفاء بإرسال مستشارين من الحرس الثوري؛ لرأب الصدوع التي حدثت في بنية حزب الله القيادية والعملياتية، لكن إلى جانب ذلك الدفع باتجاه دخول نحو 40 ألفًا من عناصر الميليشيات التابعة لها في سوريا إلى الداخل اللبناني لمساندة حزب الله.
  • تستند ممكنات الدفع بهذا السيناريو إلى المصالح الاستراتيجية لإيران، ومخاوفها من التداعيات الاستراتيجية للتراجع المحتمل في نفوذ حزب الله؛ نتيجة الحملة الإسرائيلية الراهنة، على النحو الذي يضطر طهران إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية والبحث عن وسائل للحفاظ على نفوذها؛ ذلك أن التراجع المحتمل لحزب الله من شأنه أن يخلف عواقب بعيدة المدى بالنسبة لإيران. بل إن إضعاف حزب الله بشكل كبير من شأنه أن يشكل انتكاسة استراتيجية كبرى لطموحات طهران الإقليمية، وكذلك من شأنه أن يحرمها من شريكها الأكثر موثوقية في “محور المقاومة” ضد إسرائيل. فضلًا عن ذلك، فإن هذا من شأنه أن يضعف قدرة إيران على فرض قوتها في بلاد الشام، والحفاظ على الضغط على الحدود الشمالية لإسرائيل.
  • لكن يظل هذا السيناريو مرهونًا بوصول الحزب إلى مرحلة من الضعف والانكشاف الشديدين، بحيث لا يجد مناصًا من اللجوء إلى العناصر الخارجية لتأمين بقائه، مع ما يحمله هذا من مخاطر على الحزب ووضعه في الداخل اللبناني، وإمكانية حدوث فوضى أو اضطرابات شديدة، على أثر ذلك في داخل لبنان.
  • لا شك في أن مواقف دول كبرى لديها مصالح في لبنان، مثل فرنسا، بالإضافة إلى الحصار الذي تفرضه إسرائيل الآن على الحدود اللبنانية، ستشكل قيودًا امام إمكانية تحقيق مثل هذا السيناريو البالغ الخطورة على مستقبل لبنان واستقراره.

المواضيع ذات الصلة