Insight Image

معدلات الخصوبة وشيخوخة المجتمعات

07 يونيو 2022

معدلات الخصوبة وشيخوخة المجتمعات

07 يونيو 2022

أظهر تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الصحة العالمية، أن الوفيات الناتجة عن فيروس كوفيد19، خلال الفترة الممتدة من أول يناير 2020 إلى نهاية ديسمبر 2021، تراوحت ما بين 13.3 مليون إلى 16.6 مليون، وهو رقم يبلغ أضعاف التقديرات السابقة. وتم الوصول إلى هذه التقديرات بناء على ما يعرف بالوفيات الزائدة، وهي عدد الوفيات التي تتخطى العدد الطبيعي للوفيات خلال الأوقات العادية في السنوات السابقة.

وتميزت معدلات الوفيات تلك، بأنها بلغت أقصاها في كبار السن، حيث بلغت أضعاف معدلاتها مثلا بين من تخطوا سن الستين، مقارنة بالفئات الأصغر من العمر. وكنتيجة لذلك، تكبدت الدول التي تتميز بارتفاع متوسط عمر السكان، وفيات أكبر بكثير من تلك التي تتمتع بنسبة أكبر من صغار السن والشباب. ففي بريطانيا مثلا، بلغت معدلات الوفيات بين من تخطوا العقد الثامن حوالي 7.8 في المئة، مقارنة بـ 1.6 فقط بين العدد نفسه من الأطفال. ويتكرر هذا السيناريو في الدول الأخرى، ففي أستراليا يتوفى أكثر من 58 في المئة من المصابين الذين تخطوا سن الثمانين، وفي الدنمارك تبلغ هذه النسبة أكثر من 75 في المئة، وفي النرويج 80 في المئة، وهلم جرا في العديد من الدول والمجتمعات الأخرى. وهو ما دفع البعض لوصف وباء كوفيد19، بأنه وباء يتحمل العبء الأكبر من وفياته أفراد المجتمعات التي تعاني أصلا من ظاهرة التشيُّخ.

والمقصود بظاهرة التشيُّخ هو ارتفاع متوسط أعمار أفراد المجتمع، حيث يشكل كبار السن والشيوخ نسبة كبيرة من المجتمع، مقارنة بفئة الأطفال والشباب صغار السن. وتُرَد هذه الظاهرة إلى سببين رئيسيين؛ الأول هو زيادة مؤمل العمر أي الفترة التي يتوقع أن يعيشها الشخص داخل مجتمع ما، والسبب الثاني هو تراجع معدلات الخصوبة والإنجاب. فالمعروف أن المجتمعات البشرية تتعرض منذ عقود لتغيرات ديموغرافية جوهرية، نتجت بشكل أساسي عن زيادة مؤمل العمر بمقدار عقدين كاملين خلال الخمسين عاما الأخيرة. فالشخص الذي يولد حاليا، يتوقع له أن يبقى على قيد الحياة بأكثر من عشرين عاما، مقارنة بمن كان يولد عام 1950 مثلا. وهو ما أدى بالضرورة إلى زيادة أعداد المسنين بشكل واضح بين أفراد الجنس البشري خلال هذه الفترة، وتجسد في حقيقة أن عدد الأفراد الذين تخطوا سن الستين قد بلغ أكثر من 650 مليون شخص في عام 2006، مع التوقع بأن يتضاعف هذا العدد إلى 1.2 مليار شخص بحلول عام 2025، وليصل إلى أكثر من ملياري شخص في عام 2050، ولذا أصبحت نسبة لا يستهان بها من أفراد الجنس البشري مندرجة حاليا ضمن فئة المسنين وكبار السن.

السبب الثاني خلف ظاهرة تشيخ المجتمعات، أي انخفاض معدل الخصوبة، فيشير إلى عدد الذرية أو الذكور والإناث التي ينجبها الأزواج أو في المجتمع برمته. ومن المعروف أن الخصوبة ومعدلها يتأثران بعوامل عدة متداخلة ومتشابكة، مثل كمية ونوع التغذية، وهرمونات الجسم، والسلوك الجنسي، والثقافة المجتمعية، والتوقيت، والحالة الاقتصادية، ودرجة القرابة، والغريزة، ونمط الحياة الشخصية، والمشاعر والأحاسيس.

والمعروف والثابت في مجال الدراسات السكانية، أنه كي يظل عدد السكان في مجتمع ما ثابتا دون تغيير خلال السنوات والعقود التالية، فلا بد أن يتساوى معدل الإنجاب -على الأقل- مع مستوى معدل الإحلال، وهو الحد الأدنى من عدد الأطفال الذي ينبغي أن تنجبه كل امرأة خلال حياتها للمحافظة على عدد السكان ثابتا. هذا المعدل يتراوح حاليا ما بين 2.1 طفل لكل امرأة في الدول الصناعية، وما بين 2.5 إلى 3.3 طفل لكل امرأة في الدول النامية والفقيرة، بسبب ارتفاع معدل الوفيات في تلك الدول. وبوجه عام، ومن المنظور العالمي، يحتاج الجنس البشري برمته إلى معدل إنجاب يبلغ حوالي 2.3 لكل زوجين، حتى يظل عدد أفراده ثابتا. ولكن للأسف، تشهد حاليا معدلات الخصوبة والإنجاب في العديد من الدول، تراجعا مستمرا، بحيث أصبح معدل الإنجاب في الكثير من الدول أقل من معدل الإحلال، مثل اليابان واليونان وإسبانيا وسنغافورة وإيطاليا وغيرهم الكثير، وهو ما يعني تراجع تدريجي في عدد سكان هذه الدول عاما بعد عام، مما يهدد شعوب تلك الدول بالانقراض التام.

المواضيع ذات الصلة