Insight Image

نحو بيئة مستدامة للمشروعات والاستثمارات الريادية ومنطقة عربية أحادية القرن

26 مايو 2022

نحو بيئة مستدامة للمشروعات والاستثمارات الريادية ومنطقة عربية أحادية القرن

26 مايو 2022

مقدمة:

للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة دور متزايد الأهمية في مختلف الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. فهي تعد مساهِمَةً رئيسيةً في رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتحقيق القيمة المضافة وزيادة الصادرات، وكذا توفير فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل ومكافحة الفقر، خاصةً في المناطق الأقل تنمية وبعض الفئات كالنساء والشباب. وتُسهم تلك المشروعات بنسب متفاوتة في تلبية معظم أهداف التنمية المستدامة.

ولعل العديد من التقارير والدراسات المحلية والدولية المتعلقة بتحليل ودعم بيئات ومجتمعات ريادة الأعمال بالاقتصادات المختلفة ومنها المنطقة العربية، تظهر مدى التطور والنضج الذي وصلت إليه هذه البيئة، والتي يمكن ترجمتها من خلال الاستثمارات الموجهة للشركات الناشئة، وأهم القطاعات التي استهدفتها تلك الاستثمارات وعلى وجه الخصوص الاستثمارات أحادية القرن “اليونيكورن”.

وتحاول الفقرات القادمة تسليط مزيد من الضوء على بيئات الشركات الريادية في بعض الدول العربية الرائدة في هذا الشأن. وتهدف هذه الورقة إلى معرفة تطور هذه البيئات الداعمة لتلك المشروعات، نحو الاستدامة وجذب استثمارات جديدة، وتوسيع قاعدة الشركات أحادية القرن في هذه الدول. ويتناول التحليل المتضمن في هذه الفقرات ثلاث قضايا رئيسية:

  • رؤى التنمية المستدامة والبيئة الداعمة لريادة الأعمال والابتكار في المنطقة العربية.
  • تعبيد الطريق لتعزيز استثمارات الشركات أحادية القرن، كنموذج ومفهوم مستحدث في ضوء التجارب الدولية الرائدة.
  • نحو منطقة عربية أحادية القرن: السياسات التمكينية والتوصيات الداعمة لبيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة.

وبهدف استخلاص الدروس المهمة، سنُركِّز على ثلاث دول عربية، هي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كنموذج وعينة ممثلة للدول العربية. لتعبر هذه العينة عن الدول متوسطة الدخل كحالة الاقتصاد المصري، ودول مرتفعة الدخل كحالة الاقتصادين السعودي والإماراتي. كما أن هذه الدول المختارة متباينة في نموها الاقتصادي وتتمتع بقدرات متميزة في أنشطة القطاعات الرئيسية، وتتمتع بمتانة في الهيكل العام للاقتصاد، كما تربطها العديد من الروابط في البيئة الاقتصادية والجيوسياسية. علاوة على أن تلك الدول، وفقاً لتقارير المؤسسات الدولية، تصدرت أكبر القيم لشركات ناشئة حصلت على استثمارات أو تمويلات خلال الأعوام الأخيرة[1]. كما شهدت تلك الدول نمواً وتطوراً واضحاً في مؤشرات بيئة الأعمال الداعمة للشركات الناشئة فعلى سبيل المثال حلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى عالمياً في المؤشر العالمي لريادة الأعمال عام 2022، متقدمة من المرتبة الرابعة عالمياً في تقرير العام الماضي، حسب التقرير الصادر عن المرصد العالمي لريادة الأعمال[2]، تلتها على مستوى العالم كلٌّ من هولندا، وفنلندا، والسعودية.

إضافة إلى كل ما سبق، فإن وجود نماذج عدة ناجحة لشركات ناشئة أحادية القرن أو في طريقها للانضمام لهذا النادي الملياري بالدول المختارة، يشكل النموذج المهم للتوسع في ظهور وانضمام شركات مشابهة سواء بهذه الدول أو اقتصادات أخرى بالمنطقة العربية. والشركات أحادية القرن أو “اليونيكورن”، هو مصطلح[3] اقتصادي يطلق على الشركات الصاعدة التي يتخطى رأسمالها المليار دولار، واستُخدم هذا المصطلح لأول مرة عام 2013 وذلك على شركات وادي السيليكون التي حققت قفزة هائلة وتخطت قيمة أسهمها حاجز المليار دولار، حيث يعتبر هذا الأمر إعجازياً ونادراً مثل حيوان وحيد القرن، ومن هنا جاء هذا المصطلح. بل تطور المصطلح في الآونة الأخيرة وظهرت مصطلحات أخرى مثل الديكاكورن Decacorns [4]، للشركات التي تزيد قيمتها على عشرة مليارات دولار، والهيكتوكورن Hectocorns للشركات التي تزيد قيمتها على 100 مليار دولار.

وتنقسم الفقرات التالية إلى ثلاثة أجزاء؛ يتناول الجزء الأول مواصفات البيئة الداعمة للابتكار وريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والناشئة باقتصادات الدول الثلاث محل التركيز. يلي ذلك في الجزء الثاني استعراض أهم المفاهيم الخاصة بالشركات أحادية القرن ونماذج دولية مختلفة لتلك الشركات ووضعها عالمياً، ثم التركيز على أهم القطاعات وإسهاماتها الاقتصادية ودورها في تعزيز الاستثمارات بالدول المستقبلة. حيث إن إيجاد المزيد من تلك الشركات للمنطقة العربية وجذبها؛ سيُسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في ضبط الأداء الاقتصادي ودعم اقتصاد المعرفة والابتكار، لدعمها تحفيز مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية وكذا تحفيز وتحسين أداء الشركات المحلية، ورفع سقف معايير جودة منتجاتها وخدماتها، بما ينعكس على توفير مزيد من فرص العمل والوظائف، وزيادة تنافسيتها في الأسواق المحلية والدولية. ويتناول الجزء الثالث بعض السياسات التمكينية والمقترحات المهمة لرسم خريطة طريق نحو الريادة كمنطقة عربية أحادية القرن، جاذبة وحاضنة وداعمة لشركات اليونيكورن في بلدان هذه المنطقة.

أولاً-واقع التنمية المستدامة والبيئة الداعمة لريادة الأعمال والابتكار في عينة مختارة من دول المنطقة العربية:

تناولت العديد من الدراسات[5] تعريف النظام البيئي لريادة الأعمال، نوجزها بتعريف Isenberg D. (2014). [6]، بأنه شبكة ديناميكية ذاتية التنظيم من أنواع مختلفة من الجهات الفاعلة. وأنه في كل محور لريادة الأعمال، هناك جهات اتصال ومؤثرات مهمة قد لا تكون من رواد الأعمال أنفسهم.

ونتناول في هذا الجزء، نظرة عن واقع النظام البيئي للأعمال الريادية بالاقتصادات محل الدراسة، وتسليط الضوء على أهم الفرص المتاحة لتهيئة المناخ الداعم للمشروعات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وكذا أهم التحديات ذات الصلة، والتي تتشارك فيها أو في أجزاء منها أغلب دول المنطقة العربية، حيث سنستعرض في البداية واقع الأداء والمشهد العام لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

  • المشهد العام لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:

لقد شهدت العقود الماضية ظهور عدد كبير من المبادرات والجهات الفاعلة الإقليمية والوطنية وشبه الوطنية[7]، من بينها جمعيات رجال الأعمال ورواد الأعمال، وحاضنات الأعمال ومسرِّعاتها، ومقدمي خدمات تطوير الأعمال. تلعب هذه الجهات الفاعلة دوراً مهماً في تحفيز ريادة الأعمال من جميع الأعمار كبديل وظيفي ودعم رواد الأعمال لتجسيد أعمالهم وتنميتها.

ولا شك إن التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا لها أيضًا تداعيات مهمة على رواد الأعمال الذين يطلقون مشاريع جديدة وشركات ناشئة، وتتراوح تلك الآثار بين تأجيل أو تعليق المشاريع التجارية إلى إلغائها تمامًا. على سبيل المثال، قد تؤثر حالة عدم اليقين الاقتصادي الناتجة عن الجائحة سلباً على تمويل الشركات الناشئة؛ ما يعرِّض بقاء الشركات الناشئة للخطر. حيث تشير الأدلة من جميع أنحاء العالم إلى أن تمويل رأس المال الاستثماري العالمي انخفض بنسبة 20% منذ بداية الأزمة وأن أربعة من كل عشرة شركات ناشئة لديها سيولة نقدية تكفي لثلاثة أشهر أو أقل[8].

وعلى العكس من ذلك، يمكن للأزمة والطريق إلى الانتعاش الاقتصادي أن يجلب أيضاً فرصاً لأصحاب المشاريع والشركات الناشئة والشركات القائمة. فعلى سبيل المثال، قدمت تدابير الإبعاد الاجتماعي فرصاً مهمة للأعمال التي تقدم أو تستخدم الخدمات الرقمية كالاتصالات الرقمية أو المنصات عبر الإنترنت لتوصيل السلع والخدمات، من احتياجات الحياة اليومية إلى التعليم وخدمات الأعمال. وحفزت الأزمة أيضاً الأعمال (الصغيرة والكبيرة، والجديدة والمؤسسة) على إعادة توظيف الإنتاج أو إنشاء خطوط إنتاج جديدة للسلع الضرورية لمكافحة الفيروس، مثل المواد الواقية والمعدات الطبية وحواجز الصرف الصحي وما إلى ذلك. بينما يتصارع العالم مع تداعيات الأزمة، وعندما يتعافى منها في النهاية، ستكون هناك فرص مهمة للابتكار والتحول الرقمي وريادة الأعمال. كما ستكون للحكومات وجمعيات القطاع الخاص والجامعات ومقدمي خدمات تطوير الأعمال والجهات الفاعلة الأخرى دور مهم في تحفيز الابتكار وتسهيله[9].

وهناك القليل من الأدلة المحددة حول تأثير الأزمة على بيئة ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أعطت دراسة أجرتها ومضة وعرب نت” بالاشتراك مع 247 شركة ناشئة في دول مختلفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعمل في قطاعات مختلفة لمحة عن التحديات والفرص التي واجهها رواد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الأزمة. وتشمل النقاط الرئيسية المنبثقة عن هذه الدراسة ما يلي:

  • شهدت 71% من الشركات الناشئة التي شملتها الدراسة تأثيراً سلبياً على أعمالها. وقد تمحورت إما بتعليق العمليات 21.9%، أو انخفاض كبير في الطلب21.1%، أو خسائر نسبية متكبدة 21.9%، أو حتى إغلاق الشركة 5.8%.
  • من المتوقع أن تشهد الشركات الناشئة تأثيرات مختلفة اعتماداً على القطاع الذي تعمل فيه: 25% من شركات السفر الناشئة في المنطقة أغلقت تمامًا و50% أوقفت عملياتها، في حين أن16.7% من “التجارة الإلكترونية” الناشئة قد شهدت إيرادات مضاعفة منذ تفشي الجائحة، وشهدت 47% من الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا التعليم تأثيراً إيجابياً على إيراداتها.
  • أبلغت نصف الشركات الناشئة عن اضطرابات في التمويل، ويرجع ذلك في الأغلب إلى قرارات شركات رأس المال الاستثماري لتأجيل أو تعليق تمويلها. لقد أدى هذا الوضع إلى تعرض ديمومة الأعمال للخطر بشكل كبير، حيث أبلغت 30% من الشركات عن وجود سيولة نقدية تكفي لمدة شهرين أو أقل.
  • المجالات الرئيسية لدعم الشركات الناشئة التي حددها رواد الأعمال الذين يديرونها تشمل الاستثمارات أو المنح 52.7% من المشاركين، وتعويضات الرواتب للموظفين32.7%، والتنازل عن إيجار المكاتب/ فواتير الخدمات العامة 30.6% والقروض 29.4%.

وبنظرة أعمق للتحديات، فقد تزايدت التحديات التي تواجه قطاع المشروعات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، خاصة فيما بعد جائحة كوفيد-19، حيث أوضحت نتائج استبيانات[10] من مختلف دول العالم (بما فيها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) أن نسبة 70% إلى 80% من تلك المشروعات، شهدت انخفاضاً كبيراً في الإيرادات والمبيعات، كما أوضحت ذات الاستبيانات أن نحو 50% من تلك المشروعات تخشى خروجها من أعمالها في غضون ثلاثة أشهر. ولا شك أن حدة الصدمة المتعلقة بتلك الجائحة على المدى القصير قد تكون ملموسة بشكل أكبر، خاصة فيما يتعلق بتحديات التمويل وسد المصاريف التشغيلية.

وقد توصلت دراسة[11] عن أهم التحديات التي يواجهها قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالمنطقة العربية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل جائحة كوفيد-19 إلى نتائج عدة، أبرزها :

  • أن سياسات التنمية في دول المنطقة لا تزال مجزأة.
  • أن نهج تضافر جهود المجتمع ككل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لم يرقَ بعد إلى التنفيذ.
  • على الرغم من جهود التنويع، فإن اقتصادات المنطقة العربية لا تزال بعيدة في هيكليتها عن الاستدامة والإنتاجية.
  • ما زال هناك تحدٍ خاص بالتشغيل وعدم توافر فرص العمل وخاصة للشباب، بما يهدر طاقات إنتاجية كبيرة محتملة، خاصة مع إمكانيات هؤلاء الشباب تجاه الابتكار واستخدام التكنولوجيات الحديثة.
  • ضعف الاستثمار في القطاع الصحي أدى إلى ضعف القدرات في مواجهة جائحة كوفيد-19.

على الرغم من وجود تلك التحديات، والتي تتباين وتختلف من دولة لأخرى، فإن هناك الكثير من الجهود الإيجابية والفرص المتاحة للنظم البيئية بالدول العربية، ونلقي الضوء في الجزء التالي، على واقع تلك البيئات وأبرز الفرص في كلّ من الاقتصاد المصري والسعودي والإماراتي على الترتيب:

  • الاقتصاد المصري وريادة الأعمال:

أولت الحكومة المصرية أهمية كبيرة لدور المشروعات الناشئة والصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، لما لها من دور اقتصادي مهم في تعزيز التنافسية، وتحسين المؤشرات بما يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة في مختلف القطاعات الاقتصادية، وذلك عملاً بالدستور المصري الراهن الذي ورد به نصاً استأثر به عن سائر الدساتير السابقة بأن ألزم الدولة بأن تولي اهتماماً خاصاً بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.

ولم تغفل رؤية مصر 2030، ممكنات ومستهدفات دعم بيئة الأعمال الريادية واقتصادات المعرفة والتنافسية المتنوعة، بما يعود بالإيجاب على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، والانتقال بمراحلها لمستويات متقدمة من البحوث والتطوير القائم على الابتكار، ومن ثم بالنمو المستدام لتلك القطاعات[12].

ويأتي استهداف اقتصاد معرفي تنافسي متنوع، كأحد الأهداف الاستراتيجية لرؤية مصر 2030 في سياق متصل مع الأهداف الأممية للتنمية المستدامة، ويؤكد تكامل الرؤية المصرية للتنمية المستدامة مع المنظور الأممي لها، وكذا من أجندة أفريقيا 2063 “أفريقيا مزدهرة ترتكز على النمو الشامل، والتنمية المستدامة”.

كما تتضمن الرؤية على ممكنات عدة تمثل المتطلبات الضرورية والأدوات التي يجب أن تستخدم عند تنفيذ السياسات والمبادرات والبرامج؛ لتضمن فعالية وكفاءة عملية التطبيق على أرض الواقع، ويمكن إيجاز أهم هذه الممكنات ذات الصلة برؤية مصر 2030 في التالي: “توفير التمويل”، و”تحقيق التقدم التكنولوجي والابتكار”، و”تعزيز التحول الرقمي”، و”إنتاج البيانات وإتاحتها”، و”تهيئة بيئة تشريعية مساندة”، ضمن ممكنات أخرى.

وكما هو موضح بأهداف الرؤية الاستراتيجية وكذا ممكناتها الرئيسية، نجد أن الاقتصاد المعرفي المتنوع والتقدم التكنولوجي والابتكار وكذا التحول نحو الرقمنة، من الركائز الرئيسية الداعمة لرؤية مصر 2030، وهي عوامل مشتركة وداعمة لبيئة مستدامة لريادة الأعمال والابتكار في مصر، تستهدف وضع سياسة واضحة ومتسقة توفر للمشروعات الناشئة والابتكارية البيئة التمكينية، وتدعم قدراتها التنافسية والبشرية، وتيسر حصولها على الائتمان وضمانات التمويل، وتساعدها في النفاذ إلى الأسواق الخارجية، والتكامل في سلاسل القيمة المحلية والعالمية، ومن ثم تحقيق النمو الاحتوائي والمستدام.

وفي ظل بيئة إقليمية وعالمية تتسم بالتقلبات الاقتصادية السريعة والمنافسة الشديدة وما تفرضه من تحديات أمام الاقتصاد المصري للاندماج في الاقتصاد العالمي، تظهر الحاجة نحو دعم مناخ الأعمال للشركات الناشئة لتحقيق التنافسية ورفع كفاءة الأسواق لتعزيز المرونة الاقتصادية، وزيادة فرص التشغيل، وأيضاً لدعم الاستثمارات. كما نجد أن هناك تطور واضح لبيئة الأعمال المحلية المصرية الداعمة للمشروعات الناشئة ورواد الأعمال، مستفيدة من الجهود الداعمة من القطاعين الحكومي والخاص في هذا الشأن. فعلى مدار السنوات السابقة، ظهرت العشرات من الجهات الداعمة لرواد الأعمال والشركات الناشئة، بينها الحكومي والخاص، والمجتمع المدني والجهات والمنظمات الدولية أيضاً.

وتعدُّ مصر من أسرع بيئات ريادة الأعمال نمواً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقاً لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2022[13]؛ وحلت مصر بالمركز الرابع عربياً، بعد الإمارات والسعودية، ولعل المتابع للإصدارات الأخيرة من خريطة الجهات الداعمة لبيئة الأعمال، يلاحظ ذلك. إذ وصل عدد تلك الكيانات بمختلف تخصصاتها، إلى ما يزيد على 350 جهة وكيان، في 2021، مقارنة بمئة جهة فقط بالإصدار الأول في 2017. وتضاعف عدد تلك الجهات حسب الإطلاق الأخير المنصة المتكاملة ذاتها للجهات الداعمة الصادر في يناير 2022[14]. وفي الوقت نفسه، تضاعفت أعداد الشركات الناشئة، وظهر بشكل واضح تأثيرها على الاقتصاد القومي، وخاصة من خلال الاستثمارات الموجهة لتلك الشركات، ولا يجب الاكتفاء بمتابعة التطور من خلال أعداد الجهات أو الكيانات الداعمة أو الشركات الناشئة، بل بالتمويل المتاح لتلك الشركات أيضاً، وبمدى تأثيرها، وربط هذا التطور بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية، وأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك عدد من التحديات المرتبطة بإدراك الفرص، وتحمل المخاطرة، والقدرة على المنافسة والابتكار لمنتجات جديدة، إضافة إلى انخفاض الربحية والتمويل المحدود، الأمر الذي يدفع رواد الأعمال في كثير من الأحيان إلى التوقف عن العمل.

  • ريادة الأعمال في اقتصاد الإمارات العربية المتحدة:

شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة طفرة كبيرة في تعزيز بيئة ريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة. وخلال الأعوام القليلة المنقضية، حلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى عالمياً في المؤشر العالمي لريادة الأعمال لعام 2022، متقدمة من المرتبة الرابعة عالمياً في تقرير العام الماضي، حسب التقرير الصادر عن المرصد العالمي لريادة الأعمال[15]، بما يؤكد التحسن المتسارع في بيئة ريادة الأعمال، ووضعها التنافسي على المستوى العالمي.

ويوضح هذه الطفرة الكبيرة العديد من الإجراءات والقرارات المتخذة على المستوى الاتحادي، والبرامج الحكومية الكبرى لدعم بيئة ريادة الأعمال، والشركات الناشئة، منها على سبيل المثال السماح بالملكية الأجنبية الكاملة للشركات في جميع الأنشطة، وتقديم تأشيرات ذهبية لرواد الأعمال، إضافة إلى عشرات المزايا والحوافز الواعدة،  فضلاً عن السماح للأجانب بتملك الشركات بنسبة 100%، بجانب إقامة ذهبية لرواد الأعمال، ومناطق حرة ومجتمعات أعمال[16].

 وتمثل “وثيقة الخمسين”[17]منظومة العمل الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي من أهم محاورها تحفيز ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ونشر ثقافة ريادة الأعمال لدى الأجيال المقبلة، وترسيخ مكانة الاقتصاد الإماراتي كمنصة ووجهة عالمية لريادة الأعمال وخاصة في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، وذلك في إطار محددات مئوية الإمارات 2071 ومستهدفاتها الطموحة لاقتصاد المستقبل، وازدهار بيئة الأعمال المحلية وتفوق الشركات الإماراتية عالمياً.

وتستهدف الخطة (الوثيقة) لأن يصبح الاقتصاد الإماراتي من أفضل ثلاث اقتصادات على المؤشر العالمي لريادة الأعمال، والموطن الأول لريادة الأعمال في عام 2031 وكذا استهداف 20 شركة أحادية القرن “يونيكورن” بحلول عام 2030.

وقد أطلقت الإمارات العربية المتحدة مشروع “موطن ريادة الأعمال”[18] أو The Entrepreneurial Nation وهو المشروع الذي يهدف إلى جعل الاقتصاد الإماراتي مركزاً عالمياً للشركات الناشئة والاستثمارات في المنطقة من خلال خطة لتطوير ريادة الأعمال في الدولة. حيث تهدف إلى جذب 20 شركة ناشئة أحادية القرن “يونيكورن” بحلول عام 2031.

واعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها السوق الأكثر نشاطاً في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ وفقاً لتقرير منصة ماغنت[19] في عام 2022 ، حيث نجحت في استقطاب رؤوس أموال مخاطرة يصل إجماليها إلى نحو (1.165 مليار دولار) في عام 2021 مقارنة بعام 2020 وبنسبة تصل إلى 93%؛ محققة طفرة نمو كبيرة في هذا الصدد، حيث تعد هذه المرة الأولى في تاريخ الاقتصاد الإماراتي التي تتخطى فيها استثمارات رأس المال المخاطر في المشاريع الناشئة حاجز المليار دولار. حيث توزعت تلك الاستثمارات على 155 مشروعاً ناشئاً بنمو بلغ 12% مقارنة بعام 2020، حيث أصبحت الإمارات الأولى إقليمياً على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا وباكستان.

  • ريادة الأعمال في اقتصاد المملكة العربية السعودية:

حددت الرؤية السعودية[20] 2030 أهدافاً طموحة لمنظومة ريادة الأعمال في المملكة، حيث تسعى في محورها الثاني إلى إقامة اقتصاد مزدهر يتضمن استثمارات فاعلة وتنافسية جاذبة، وتستهدف الرؤية دعم قطاع المشروعات الناشئة والصغيرة والمتوسطة ومضاعفة نسبة مساهمة تلك المشروعات في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 35% بحلول عام 2030، وكذا تسهيل ومساعدة الشباب ورواد الأعمال للحصول على التمويل. بما يؤكد العديد من الفرص المهيئة ببيئة الأعمال السعودية، لدعم المشروعات الناشئة وريادة الأعمال.

وأكدت الحكومة السعودية التزامها دعم قطاع ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، وخاصة في ظل تداعيات جائحة كوفيد-19، وأدخلت العديد من المبادرات لتعزيز وتسهيل النفاذ إلى التمويل ومساعدة رواد الأعمال الجدد على دخول السوق، وشمل ذلك حزم تحفيز بقيمة 72 مليار ريال سعودي (19.2 مليار دولار أمريكي) لتعزيز القطاع الخاص مع التركيز بشكل كبير على البرامج والمبادرات المختلفة التي تدعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مثل سداد الرسوم الحكومية، وصندوق رأس المال الاستثماري الحكومي، والتمويل غير المباشر للشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل الصادرات[21].

وتزامناً مع ذلك، أطلقت الحكومة برنامج مِراس [22] الذي يوفر خدمات متنوعة للقطاعين العام والخاص، التي يحتاجها رائد الأعمال، والمساعدة على تسهيل مدة التأسيس واختصارها ليوم واحد. كما أنشِئت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، منشآت تعمل على إزالة الحواجز أمام الدخول للسوق والنفاذ إلى التمويل، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في تسويق الخدمات وتصدير المنتجات.

وهناك العديد من الفرص أمام الشباب ورواد الأعمال السعوديين لبدء مشروعاتهم الخاصة، فوفقًا لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال [23] لعام 2019، فإن نحو 76.3٪ من البالغين في المملكة العربية السعودية أمامهم فرص جيدة لبدء أعمالهم التجارية الجديدة، ويعزز ذلك ما يمثله الشباب من نسبة تقارب الـ60٪ من السعوديين تحت سن 30 عاماً.

وتعمل الحكومة السعودية من خلال العديد من الشراكات والجهود لدعم بيئة العمل للشركات الناشئة، حيث ستتمكن الشركات السعودية الناشئة في وقت قريب من الاستفادة بأحد أكبر سحابة بيانات حكومية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)[24] ، كما ستستفيد تلك الشركات من التعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السعودية مع Techstars لإطلاق Riyadh Techstars Accelerator[25]، للمساعدة على بناء أعمالهم وتنميتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي السياق نفسه، فإن ما أعلنته شركة أمازون[26]، عملاق التجارة الإلكترونية في مارس 2021 عن توسع كبير وزيادة السعه التخزينية في المملكة بنسبة 11٪، يعكس تزايد حجم التجارة الإلكترونية وأهميتها في السعودية والمنطقة العربية، ويسهم في خلق المئات من فرص العمل. فوفقاً لمؤسسة Genome المتخصصة في بيئة عمل الشركات الناشئة عالمياً، فهناك العديد قصص النجاح المحلية، والتي أسفرت عن جذب تدفقات استثمارية وتمويلية، من خلال جولات استثمارية تهدف للحصول على التمويل اللازم لتوسيع الأنشطة وتنميتها، حتى في أثناء جائحة كوفيد-19. ففي عام 2020 جمعت Nana، وهي منصة بيع بالتجزئة عبر الإنترنت، 18 مليون دولار في جولة من السلسلة B في مارس 2020، وجمعت Morni، وهي منصة للمساعدة والإنقاذ على الطرق، سلسلة B    9.1مليون دولار في ديسمبر، وجمعت Jahez، وهي منصة توصيل طعام، 36.5 مليون دولار في الجولة الأولى في يونيو 2020، كما جمعت منصة إدارة المطاعم Foodics جولة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي من السلسلة B بقيادة سنابل للاستثمار[27].

وقد شهدت بيئة الأعمال والشركات الناشئة السعودية نمواً وتطوراً واضحاً خلال الأعوام الأخيرة، فقد بلغ إجمالي قيمة النظام البيئي السعودي وفقاً لبيانات منصة Startup Genome[28]، نحو مليار دولار عام 2021، علماً بأن المتوسط العالمي بلغ 13.6 مليار دولار تقريباً، كما بلغ تمويل المراحل المبكرة من الشركات الناشئة 146 مليون دولار مقارنة بالمتوسط العالمي والذي يبلغ 548 مليون دولار، كما أظهرت ذات البيانات أن قطاعي التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، هما القطاعات الأقوى تأثيراً داخل منظومة بيئة أعمال الشركات الناشئة السعودية، لما يمثله على سبيل المثال قطاع التجارة الإلكترونية واستحواذه على ثلثي التمويلات الموجهة للشركات الناشئة، يليه قطاع التكنولوجيا المالية. ويعكس ذلك أن الفرص لا تزال متاحة والبيئة مهيئة لاستقطاب مزيد من الاستثمارات والتمويلات في النظام البيئي للشركات الناشئة السعودية.

وفي ضوء كل ما سبق، فيلاحظ أن البيئة الداعمة لريادة الأعمال والابتكار في كل من الاقتصاد المصري والسعودي والإماراتي بها العديد من القواسم المشتركة بين تلك الدول، وأن استراتيجيتها وجهودها الداعمة للاقتصاد المعرفي والتوجه تتجه نحو دعم قطاع المشروعات الصغيرة، الناشئة والريادية. كما يلاحظ التطور في تلك البيئات وفق ما عكستها المؤشرات المختلفة، والجهود المبذولة نحو تهيئة البيئة للشركات الناشئة للعمل والتطور والتوسع خارجياً وعالمياً، بل والتوجه نحو الانضمام إلى النوادي أحادية القرن. ولكن السؤال المطروح الآن: ما أهم الدروس المستفادة من الخبرات الدولية لمزيد من التطوير في بيئة الأعمال العربية؟ وما الأمثلة الدولية التي يمكن التعلم منها، إضافة إلى بعض النماذج العربية للشركات أحادية القرن؟ فمن خلال التعلم من التجربة الدولية، يمكن الخروج بأفضل السياسات المقترحة والتوصيات نحو ريادة المنطقة العربية في هذا القطاع.

ثانياً-الطريق نحو التوسع في شركات أحادية القرن: تجارب مختارة

يتفاعل الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن مع المعطيات المختلفة للثورة الصناعية الرابعة، والمتواكب مع تكنولوجياتها المتطورة باستمرار، حيث تتسابق الاقتصادات، وخاصة في الدول المتقدمة، على رسم سياساتها واستراتيجياتها الاقتصادية المستقبلية القائمة على المعرفة والابتكار، كما تنبأ تقرير صدر عام 2017 لمؤسسة[29]Accenture للأبحاث، أنه بحلول عام 2035، لن يبقى التقييم الاقتصادي لبلدٍ ما معتمداً على رأس المال (أو على معدل النمو)، بل سيُقيَّم انطلاقاً من درجة النضج في مجال التقدم التكنولوجي وخاصة “الذكاء الاصطناعي”، وأن قطاعات الاتصالات والمعلومات، التصنيع والخدمات المالية هي أكثر ثلاثة قطاعات من المتوقع أن تحقق الاستفادة من التقدم في هذا المجال. وهو ما نراه يتسق بشكل كبير مع الرؤى والاستراتيجيات، المرسومة من الدول العربية محل الدراسة، بل والجهود على أرض الواقع، والتي استُعرضت بعض منها بالجزء الأول، من تهيئة تلك الدول للبيئة الداعمة للاقتصاد المعرفي والعمل على تحسين مؤشرات التنافسية، بما يمهد الطريق نحو استثمارات ريادية أحادية القرن.

ووفقاً لإحصاءات محدثة[30] في فبراير 2022، بلغ عدد الشركات الناشئة التي تخطت قيمة رأسمالها المليار دولار 1000 شركة، تصدرتها شركات التكنولوجيا المالية بأعداد تعدت الـ160 شركة، يليها خدمات الإنترنت والبرمجة بأعداد تقارب 140 شركة، والتجارة الإلكترونية بعدد 90 شركة، والذكاء الاصطناعي والصحة بأعداد قاربت الـ70 والـ60 شركة على التوالي.

واحتلت الصين المرتبة الأولى بين دول العالم في السرعة التي تتحول بها الشركات الناشئة في الدولة إلى “يونيكورن”، حسب تقييم عالمي صادر عن موقع[31] مقارنة الأسعار البريطاني، إذ استغرقت الشركات الصينية متوسط خمس سنوات وعشرة أشهر ليتجاوز تقييمها مستوى مليار دولار، وجاء بالمركز الثاني في أسرع الاقتصادات في تحويل الشركات الناشئة إلى يونيكورن هونج كونج بمعدل 6.3 سنة، تلتها بعد ذلك اليابان بمعدل 6.1 سنة في المركز الثالث، أما الولايات المتحدة الأمريكية، وسنغافورة وأستراليا، فقد جاءت في المركز الرابع بمعدل ست سنوات وأحد عشر شهراً. وجاء قطاع النقل والمواصلات، القطاع الأسرع في الوصول لنادي المليار دولار بمتوسط 4.5 سنة في حين بلغ متوسط الفترة لشركات الإنترنت والبرمجة 8.5 سنة.

وكانت “اليونيكورن” في الأساس مفهوماً نشأ مع الشركات الأمريكية، وامتد إلى العالم مع ظهور شركات ناشئة أحادية القرن تزداد قيمها كل عام، حيث شهد هذا المفهوم نمواً كبيراً على مدار السنوات القليلة الماضية، وفيما يتعلق بالنطاقات الجغرافية والدول المصدرة لشركات اليونيكورن، فقد حصلت شركات يونيكورن التي يقع مقرها في آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية على نصيب الأسد من التمويل الممنوح لأحاديات القرن في جميع أنحاء العالم. ولعل من أبرز خصائص هذا السوق عالمياً، وجود 50 ٪ تقريباً من تلك الشركات بالولايات المتحدة و20 ٪ بالصين، والبقية في أجزاء أخرى من العالم. وتتوزع هذه الشركات على مجموعة متنوعة من القطاعات؛ ما يتضح معه عدم ظهور أي صناعة كقائد واضح لهذه القطاعات، حيث تتنوع تلك القطاعات من التكنولوجيا المالية، التجارة الإلكترونية، والقطاع الطبي والصحة والتكنولوجيا الحيوية والنقل… إلخ[32].

ووفقاً لمؤسسة فوربس[33]، بنهاية عام 2021، وجدت المؤسسة أن الشركات الناشئة المحتمل انضمامها لنادي اليونيكورن، ترتكز على الصناعات الخاصة بالبرمجيات والأمن السيبراني والبنوك تأتي على رأس تلك القائمة. حيث تميل بعض الصناعات أيضاً إلى جذب المزيد من تمويل الأسهم أكثر من غيرها. اعتباراً من يناير 2020، تلقت شركات يونيكورن العاملة في قطاعات النقل والخدمات اللوجستية والتمويل والتأمين والعقارات ما يقارب نصف إجمالي تمويل الأسهم الممنوحة لشركة يونيكورن على مستوى العالم. جمعت شركة Ant Financial وDidi Chuxing رأسمال قدره 18.5 مليار دولار أمريكي؛ ما يجعلها أنجح شركة يونيكورن في الوقت الراهن من حيث حجم تمويل الأسهم.[34] هيمنة معرفة الصناعات تاريخياً على هذا النادي الملياري، قد يكون مؤشراً على القطاعات الأكثر جاذبية للاستثمارات المليارية، والتي قد يكون من المهم أخذها بالاعتبار عند صياغة السياسات الاقتصادية والتمكينية لجذب الاستثمارات ونمو هذا القطاع.

وبنظرة أكثر تعمقاً على نماذج رائدة من المنطقة العربية، فقد بلغ أعضاء نادي اليونيكورن من الشركات الناشئة من المنطقة العربية خمس شركات، وفقاً لفوربس[35]، ففي العامين الماضيين، انضمت العديد من الشركات الناشئة العربية إلى نادي المليار دولار. فشركة “فوري” مصرية المنشأ والمتخصصة في الحلول المالية، بعد طرحها بالبورصة بأقل من عام ونصف، تضاعفت أسهمها ما يزيد على الـ500%، وتجاوزت قيمتها السوقية المليار دولار. أما شركة “سويفل” المتخصصة في مجال النقل والحافلات فقد انضمت للنادي الملياري، وتم بالفعل إدراج أسهمها في مؤشر ناسداك في بورصة نيويورك الأمريكية، بقيمة سوقية تقارب المليار ونصف دولار.

كما انضمت منصة “كيتوبي” للمطابخ السحابية التي أطلقت من دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذا الاتجاه الصاعد. حيث استطاعت هذه المنصة خلال ثلاث سنوات من تأسيسها امتلاك أكثر من 60 مطبخاً سحابياً والتوسع في دول عدة في المنطقة العربية خارج الاقتصاد الإماراتي، مثل السوق السعودية وسوقي الكويت والبحرين. كما تهدف للتوسع خارجياً وخاصة في أسواق الولايات المتحدة الأمريكية. كما اندمجت مجموعة (EMPG) التي تأسست عام 2015 في الإمارات العربية المتحدة، والتي تملك بوابات للإعلانات المبوبة وتديرها في الأسواق الناشئة، لاسيَّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، مع مجموعة (OLX) ومقرها هولندا في عام 2020، ووصل تقييمها إلى ما يزيد على المليار دولار. وبالطبع شركة “كريم” للنقل التشاركي، والتي تأسست عام 2012، واستحوذت عليها شركة أوبر في عام 2020 مقابل 3.1 مليار دولار، في أكبر صفقة بقطاع التكنولوجيا في المنطقة آنذاك. ومنصة “سوق دوت كوم” للتجارة الإلكترونية واستحواذ شركة “أمازون” عملاق التجارة الإلكترونية عليها، في صفقة لم يكشف عن قيمتها.[36]

هذا التنوع القطاعي والتقني للنماذج المذكورة يعدُّ مؤشراً مهماً، لمستقبل المنطقة العربية، والبناء على اقتصاداتها الداعمة أو القائمة على الابتكار، ويؤكد رسائل مهمة مفادها، أن الفرص مختلفة ومتنوعة ومتاحة أمام رواد الأعمال من المنطقة العربية، للخروج بشركاتهم الناشئة للعالمية والانضمام لنوادي اليونيكورن. ولعل من أبرز الدروس المستفادة من الخبرات الدولية في هذا الشأن، هو وجود استراتيجيات ورؤى محددة سلفاً منذ سنوات، لتنمية بيئة الشركات الريادية ودعمها للوصول إلى العالمية والانضمام إلى نوادي اليونيكورن، والتركيز على القطاعات الأكثر والأسرع جذباً لهذه الشركات.

ثالثاً-التوصيات والسياسات التمكينية لتهيئة بيئة الأعمال العربية للتوسع في الشركات أحادية القرن:

يستعرض هذا الجزء أهم السياسات التمكينية والتوصيات الداعمة لبيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة أحادية القرن، وفي ضوء ما تناوله الجزء الأول والثاني من أهمية هذه الشركات ودورها، والجهود المبذولة من الدول محل الدراسة في هذا الإطار، نجد أننا على الطريق الصحيح نحو منطقة عربية أحادية القرن.

في ضوء التنافسية الاقتصادية المتسارعة، هناك ضرورة لمزيد من عمل الحكومات في دول المنطقة العربية لتوفير سبل الدعم اللازم لتيسير البيئة الداعمة للمشروعات الابتكارية والريادية، ووضع معايير ومؤشرات محددة، ومتابعة أداء تلك المشروعات وتقييمه، بهدف الوصول إلى قياس المردود منها على التنمية الاقتصادية المستدامة، وبما يسهم في التغيير الإيجابي للأنماط الثقافية الداعمة لثقافة العمل الحر، ولا يغني ذلك عن الدور المتنامي للقطاع الخاص والجامعي والبحثي في دعم هذه البيئة، وبالطبع هناك أهمية كبيرة للمراجعة الدورية لمختلف السياسات، والتحديث المستمر للبرامج والإجراءات في ضوء التنفيذ والتقدم فيه.

ولعل إحدى أهم السياسات التمكينية، في هذا الإطار، هي نشر الوعي والمعرفة بين مختلف فئات المجتمع في الخريطة والرؤية الاقتصادية للدول العربية محل التركيز، وبصفة خاصة بين فئات الشباب ورواد الأعمال، ومزيد من الحوار المجتمعي والمتخصص في أثناء وضع البرامج، وتحديث الإجراءات ذات الصلة.

كذلك، فمن المهم خلق قاعدة عريضة من رواد الأعمال والمبتكرين، وتهيئة البيئة الحاضنة لهم ولمشروعاتهم الابتكارية، سواء من خلال الدعم الفني أو المالي، الحكومي المباشر أو من خلال القطاع الخاص والأكاديمي أو منظمات المجتمع المدني، مع تأكيد أهمية تنسيق تلك الجهود وتشابكها. وبالتوازي مع ذلك، هناك ضرورة رسم خريطة طريق واضحة، لدعم خروج منتجات وتطبيقات الشركات الناشئة العربية للمنافسة بالأسواق العالمية، والاستمرار في تهيئة البيئة الحاضنة لتلك الشركات وتطويرها.

إن أحد التوصيات المهمة أيضًا في هذا الإطار، أن يتم التوسع ودعم التحول نحو مفاهيم الجامعات الريادية، وربط الجسور بين مخرجات البحث العلمي بالجامعات والمؤسسات التعليمية، واحتياجات الصناعة المحلية، بمختلف قطاعاتها، بما يسهم في توطين التنمية، مع وضع البرامج وآلياتها التنفيذية المساندة لذلك.

وهناك حاجة ماسة لتضافر جهود الجهات المعنية كافة، الحكومية والخاصة، والتنسيق المستمر بين مختلف اللاعبين الرئيسيين؛ لتحقيق التعاون المثمر والبناء بين الجهات الداعمة لبيئات الأعمال والشركات الناشئة، للوصول إلى المستهدفات الآتية، على سبيل المثال لا الحصر:

  • رفع التنافسية لقطاع ريادة الأعمال، وإسهام الشركات الناشئة الاقتصادي، وقياس المردود على التنمية.
  • تحسين وضع ومؤشرات بيئة الأعمال الداعمة للمشروعات الريادية والشركات الناشئة في التقارير الدولية.
  • تنظيم العلاقة وتنسيقها بين الجهات الداعمة وطرح حلول لأهم التحديات التي تواجه الاقتصاد القومي في الدول العربية وترجمتها إلى فرص للشركات الريادية والناشئة، والترابط والتناغم بين مختلف الجهات الداعمة.
  • توطين التنمية وتعميق سلاسل القيمة القائمة على الابتكار، بما ينعكس على جذب استثمارات محلية وأجنبية، وفتح أسواق جديدة.

وختاماً، وبأخذ التنافسية الاقتصادية العالمية بالاعتبار، إلى جانب التطور المتسارع لبيئات الشركات الناشئة عالمياً؛ فإن الطريق نحو منطقة عربية أحادية القرن، ليس بالطريق الصعب أو الممهد في الوقت نفسه، ولكنه يتطلب استمرار تكامل الجهود والسياسات والإجراءات والبرامج، لتحقيق الريادة العربية

المراجع

[1] https://magnitt.com/research.

[2] https://gemconsortium.org/report/gem-20212022-global-report-opportunity-amid-disruption.

[3] https://www.ibtimes.com/real-reason-everyone-calls-billion-dollar-startups-unicorns-2079596.

[4]https://www.business-standard.com/podcast/companies/decoded-what-are-unicorns-decacorns-and-hectocorns- 121100600512_1.html#:~:text=The%20common%20question%20that%20people,%2410%20billion%20are%20called%20decacorns.

[5] https://compass.onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/gec3.12359.

[6] Isenberg, D. (2014). What an entrepreneurship ecosystem actually is. Harvard Business Review blog, May 12.

[7] نظرة عامة على تلك الجهات الفاعلة ونظام ريادة الأعمال في المنطقة:
2018 SME Policy Index for the Mediterranean Middle East and North Africa (OECD/European Union/ETF, 2018.

[8] Wamda/ArabNet (2020), The impact of the Covid-19 outbreak on the entrepreneurship ecosystem, https://www.wamda.com/2020/05/wamda-research-lab-report-covid-19-impact.

[9]  فيروس كورونا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: انتعاش اقتصادي مرن وشامل ومستدام من خلال اقتصاد الأعمال الصغيرة OECD 2020 .

[10] CFIB Business Barometer,2020.

 [11] تداعيات أزمة كوفيد-19 على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مجلة التنمية والسياسات الاقتصادية – المعهد العربي للتخطيط (2020).

[12] http://sdsegypt2030.com.

[13] https://www.gemconsortium.org/reports/latest-global-report.

[14] دكتور نبيل شلبي،  خبير ريادة الأعمال ورئيس دار المستثمر العربي الإصدار السابع من خريطة النظام الداعم الإيكو سيستم لريادة الأعمال في مصر، الرابط eeei.arenho.com..

[15] https://www.gemconsortium.org/reports/latest-global-report.

[17] https://www.moec.gov.ae/entrepreneurs-and-smes.

[18] https://u.ae/ar-ae/about-the-uae/strategies-initiatives-and-awards/local-governments-strategies-and-plans/the-fifty-year-charter.

[19] https://theentrepreneurialnation.com.

[20] https://magnitt.com/research/mena-2022-venture-investment-report-50797.

[21] https://www.vision2030.gov.sa/ar.

[22] https://misa.gov.sa/ar/covid-19-gov-initiatives.

[23] https://meras.gov.sa/ar/get-started.

[24] https://www.gemconsortium.org/report/gem-2019-2020-global-report.

[25] https://sdaia.gov.sa/?Lang=ar&page=SectionAchievements#.

[26] https://www.techstars.com/accelerators/riyadh.

[27] https://english.alarabiya.net/business/technology/2021/03/17/Amazon-announces-major-Saudi-Arabia-expansion-promising-at-least-1-500-new-jobs.

[28] https://startupgenome.com/ecosystems/riyadh.

[29] https://startupgenome.com/ecosystems/riyadh.

[30] https://www.accenture.com.

[31] https://www.cbinsights.com/research/unicorn-tracker.

[32] Money.co.uk.

[33] https://www.cbinsights.com/research/unicorn-club-global-trends-infographic.

[34]https://www.forbesmiddleeast.com/ar/innovation/startups/5-unicorn-startups-emerged-from-the-middle-east.

[35] https://www.statista.com/topics/5919/unicorns-worldwide/#topicHeader__wrapper.

[36]https://www.forbesmiddleeast.com/ar/innovation/startups/5-unicorn-startups-emerged-from-the-middle-east.

[37] https://www.bbc.com/arabic/business-39419936.

المواضيع ذات الصلة