شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، انعقاد الدورة الأولى من “أسبوع المناخ الإقليمي الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022” (Middle East and North Africa Climate Week 2022)، بمشاركة باقة من المتخصصين من الجهات الحكومية، وممثلي المدن، والقطاع الخاص، والمؤسسات المالية، ومنظمات المجتمع الدولي من أرجاء العالم كافة. ويأتي انعقاد هذه الفعالية في وقت تشير فيه تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 13 مليون شخص حول العالم، يلقون حتفهم سنوياً، بسبب ظروف وعوامل بيئية كان من الممكن تجنُّبها، بما في ذلك التغيرات المناخية التي تصنفها المنظمة الدولية كأكبر خطر صحي يواجه البشر حالياً، إذ ستنتج عنها أزمة صحية عالمية بالمقاييس كلها.
وتظهر التبعات الصحية السلبية للتغيرات المناخية في نقاط عدة، حيث تتسبب مثلاً في ارتفاعٍ في متوسط درجات الحرارة ما ينتج عنه زيادة انتشار البعوض الناقل للأمراض، كما تشهد التربة تدهوراً مستمراً في العديد من المناطق الزراعية، بينما يزداد شحّ مصادر المياه الصالحة للشرب وندرتها، ما يؤدي إلى ازدياد مماثل في معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة بالماء.
والملاحظ خلال العقود الخمسة الأخيرة، التكرار شبه اليومي للحوادث المناخية العنيفة، أو ما يطلق عليه الكوارث المناخية (Climate Disasters)، حيث تشير البيانات والإحصاءات إلى زيادة بمقدار خمسة أضعاف، في معدل تكرار الظروف المناخية القاسية خلال نصف القرن المنصرم. مثل الفيضانات، والأعاصير التي يزداد تكرارها وشدتها وعنفها بالتزامن مع تسارع التغيرات المناخية، بالإضافة إلى موجات الحر الشديد والقحط الجفاف، التي تؤدي بدورها إلى انتشار سوء التغذية والأمراض بين مجتمعات وشعوب بأكملها، وربما حدوث مجاعات لا تبقي ولا تذر.
وفي ظل حقيقة أن ثلث سكان العالم، لا تتوافر لهم حماية كافية ضد الأحداث المناخية العنيفة، وترتفع هذه النسبة إلى 60% بين سكان الدول الأفريقية، أصبح من الضروري إنشاء نظام إنذار مبكر عالمي، مماثل لنظام الإنذار المبكر ضد موجات التسونامي المدمرة. وبالفعل تعتزم منظمة الأرصاد الجوية العالمية (World Meteorological Organization)، التي تضم في عضويتها 185 دولة و6 أقاليم وتتبع منظمة الأمم المتحدة، التقدم بحلول شهر نوفمبر المقبل بخطة عملية لكيفية إنشاء مثل هذا النظام وتفعيله، وبتكلفة تقدر بـ 1.5 مليار دولار.
ويأتي الزخم خلف إنشاء هذا النظام، من حقيقة أن نُظم التحذير أو الإنذار المبكر للأرصاد الجوية، أثبتت فعاليتها في خفضٍ هائلٍ في أعداد ضحايا الفيضانات والأعاصير. فعلى سبيل المثال، نجحت التنبؤات الجوية الدقيقة والتحذير المبكر من إعصار “إيدا”، الذي ضرب ولاية لويزيانا الأمريكية العام الماضي، وصُنّف كخامس أقوى إعصار يضرب الولايات المتحدة، في خفض عدد الضحايا إلى أقل من مئة قتيل، بعد أن تم إخلاء عشرات الآلاف من السكان في وقت مبكر قبل وصول الإعصار.
وعلى النقيض من ذلك، نجد أن إعصار “إيداي” الذي ضرب عام 2019 عدداً من الدول الأفريقية جنوب القارة السمراء، قد تسبب في وفاة نحو ألف شخص وفي تشريد الملايين في دول عدة، مثل موزامبيق، ومالاوي، وزيمبابوي. والمؤسف أنه رغم إطلاق التحذيرات قبل وصول هذا الإعصار، فإن ضعف بنية الاتصالات التحتية وخاصة في المناطق الريفية، أعاق وصول المعلومات ونشْر التحذيرات بين سكان هذه المناطق.
والآن، بما أننا أصبحنا جميعاً نقطن كوكباً أكثر خطورة، بسبب التغيرات المناخية الحادثة، وما سينتج عنها من أحداث وكوارث مناخية عنيفة، أصبح من الضروري والمهم إنشاء نظام إنذار مبكر عالمي، لتجنب وقوع أعداد كبيرة من الضحايا، ولاتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بحماية الممتلكات والحفاظ على سلامة البنية التحتية للدول والمجتمعات قدر الإمكان.