ما انفكت أهمية قضايا التغيرات المناخية تزداد عامًا بعد عام، ويوما بعد يوم، وخصوصًا بعد أن سجّل شهر يوليو 2023 رقما قياسيا في درجات الحرارة وأصبح الأكثر دفئًا في تاريخ كوكب الأرض. كما أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن غازات الدفيئة GHG تسبب في حدوث أضرار جسيمة للبشرية، بما في ذلك الجفاف ومشاكل الغذاء وفقدان التنوع البيولوجي بانقراض بعض أنواع الحيوانات والنباتات، وكذلك ارتفاع حرائق الغابات وذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، ... إلخ. وهو ما يستدعي تضافر جهود الحكومات والأفراد في العالم كله دون استثناء، فنحن نعيش في كوكب واحد، وسبيل النجاة تستدعي منا العمل معا لتحقيق هدف واحد.
ومنذ قمـة كـوب 21 التي أقيمت في باريس نهاية 2015 التي نتجت عنهـا «اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ التي اعتمدتها 196دولـة حـول العـالم، بـرز مصطلح «الحياد الكربوني بشكل متكرر في تقارير المنظمات الدولية ودراسات الباحثين، وأضحى هدفًا تسعى الكثير من الدول لتحقيقه بحلول عام 2050.
وعلى صعيد آخر، لطالما شكلت البطالة والفقر أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في بلدان العالم. وبالنظر إلى ما سبق فإن الدراسة تعالج موضوعا بالغ الأهمية يتعلق باتجاهات التشغيل في ظل توجـه الـدول إلى تطبيق استراتيجيات الحياد الكربوني.
وبهدف معرفة المزيد حول الحياد الكربوني والحياد الكربوني الصفري، فقد ركزت الدراسة في القسم الأول على تقديم مفهوم الحياد الكربوني وإبراز أهميته وتوضيح ما إذا كان الحياد الكربوني حتمية تاريخية أم مجرد خيار. كما تطرقت الدراسة إلى الاستراتيجيات والأساليب التي يمكن تطبيقها لتحقيق الحياد الكربوني وكذلك التحديات والعوائق التي تواجهها الدول في سبيل تحقيق ذلك.
أما في القسم الثاني، فقد حاولت الدراسة عرض تأثير التغير المناخي في سوق العمل العالمية، وذلك من خلال عرض تأثير التغير المناخي في عرض العمالة وإنتاجيتها، بالإضافة إلى عرض تأثير التغير المناخي في الطلب على العمالة، مـع توضيح تأثيرات التوجه إلى الحياد الكربوني في سوق العمل بشكل عام، بناءً على تقديرات وتقارير متعلقة بهذا الشأن صادرة عن المنظمات الدولية.
وفي القسم الثالث عرضت الدراسة تجارب دول في تطبيق استراتيجيات الحياد الكربوني واتجاهات التشغيل في ظل هذا التوجه وقد اختارت الدراسة عرض تجارب دول من مجلس التعاون الخليجي متمثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتجارب دول من الاتحاد الأوروبي (EU) متمثلة في ألمانيا وفرنسا.
وفي القسم الرابع والأخير، قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات التـي مـن شأنها أن تسهم في تحقيق الحياد الكربوني العالمي بحلول عام 2050 كأدنى حــد وعام 2060 كأقصى حد، وتسهم في تعزيز التشغيل في ظل توجـه الـدول إلى الحيـاد الكربوني، وتضمن بذلك فرص العمل اللائق لمواطنيها وتتجنب الآثار السلبية التي يمكن أن تحدث خلال التوجه إلى الحياد الكربوني.