تبعاً لتعريف التطرف بأنه منطق تفكير لا يقبل بالحلول الوسطى في تعريفه للصواب والخطأ، فإن الدور الموكول للمؤسسة التربوية، هو تربية الناشئة على مرونة التفكير، بمعنى أن تخلق في الفرد هذا الاستعداد المستمر لتعديل موقفه. وهو استعداد لا يمكن أن يتحقق إلا إذا آمن الفرد بأن الحقيقة نسبية وهي ذاتية، وأنها مرحلية لا نهائية، وأنه لا يعيش بالحقائق، إنما هو كائن يتأقلم مع محيطه، ويتصرف بمقتضى ما يطرأ على ما في حياته اليومية من أحداث. وتهدف هذه المحاضرة إلى تقديم مفهوم التواضع كموقف ذهني مطلوب بوصفه شرطاً جديداً لمنطق تفكير يعد أهم طريق لتحصين الناشئة ضد التطرف، منظرةً أن مهمة ترسيخه في نفوس الناشئة وفي تفكير المجتمع موكول إلى المؤسسة التربوية التي يتوجب عليها أن تُدخل في ذهن الناشئة الإيمان بأن الهدف من المعرفة هو اكتساب مهارة العيش وأن رحلة التحصيل لا تنتهي ما دام الإنسان يعيش وأنه وحده التواضع الذي من الممكن أن يحمله على تفادي الوهم بامتلاك الحقيقة والمعرفة، ويجعله يؤمن بأن ما يعرفه يبقى دائماً قليلاً فلا مفر حينئذ عنده من العيش في انفتاح دائم على ما يمكن أن يعرفه في كل لحظة وحين، وهكذا يمكن أن يحصنوا أنفسهم من التطرف.