يُعَدُّ راشد الغنوشي أحد أبرز شخصيات جماعات الإسلام السياسي الإخوانية، فهو حاضر في الساحة الإسلاموية منذ أكثر من خمسة عقود، سواءً من خلال التأليف والتنظير، أو من خلال العمل الدعوي والحركي السياسيّ. فهو يتزعم حركة النهضة في تونس منذ تأسيسها في نهاية ستينيات القرن العشرين، وكانت آنذاك تحت اسم «الجماعة الإسلامية». وما يزال متمسّكاً برئاستها إلى حد الآن، رغم ما يتعرّض له من انتقادات من خارج الحركة ومن داخلها، وصلت إلى حد استقالة أعضاء بارزين منها في فترات متعاقبة.
لقد كانت العقود الخمسة الماضية مليئة بالأحداث والتقلبات في حياة الغنوشي الشخصية والسياسية، ومن ثم في حياة الحركة الإسلاموية في تونس التي ارتبطت به ارتباطًا وثيقًا، سواءً في فترات الكُمُون والضعف والتراجع، أو في فترات القوة والصعود والبروز. وقد تجلى هذا الارتباط بصورة واضحة في السنوات الأخيرة، في ضوء التطورات التي أحدثها ما يُعرف بالربيع العربي، وما تلاها من أحداث شهدت وصول حركة النهضة إلى الحكم وتحكمها في دواليب الدولة في مرحلة أولى، ثم شهدت السقوط في مرحلة ثانية إثر التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 يوليو 2021. لقد كان الغنوشي هو المتحكم في قرارات حزبه والمُوَجِّه لسياساته، سواء أتعلق الأمر بشؤونه التنظيمية الداخلية، أم تعلق بكيفية إدارته لشؤون الدولة طيلة الفترة التي كانت فيها حركة النهضة تتصدر المشهد السياسي في تونس، منذ فوزها الأول بانتخابات 23 أكتوبر 2011. وقد كان الغنوشي يستمد هذا الدور المحوري والمؤثر في الحياة السياسية من مكانته داخل حزبه؛ إذ كان هو المهيمن على دواليبه هيمنةً رمزيةً وفعليةً.
وتتناول هذه الدراسة سيرة راشد الغنوشي من زاويتين: زاوية أولى تحقق - من منظور التحليل التاريخي - في مسيرة الرجل السياسية والأيديولوجية الممتدة على ما يزيد على خمسة عقود، وتدقق النظر فيما شهدته هذه المسيرة من تحولات وتقلبات وفق ثنائية الثابت والمتحول. وأمّا في الزاوية الثانية فتطرح الدراسة - من منظور استشرافي - مصيرَ الغنوشي من الناحيتين السياسية والقضائية، في ظل تراجع شعبية تنظيمه السياسي، وتدني شعبيته شخصيًا من جهة، وفي ظل القضايا المرفوعة ضدّه من جهة أخرى، وتستكشف مستقبل حركة النهضة والإسلام السياسي عمومًا في ضوء هذه التطورات المتلاحقة في تونس والمنطقة.