ISBN: 978-9948-660-05-7
د.إ 30
يمكنك الحصول على نسختك بصيغة PDF، مع السماح بثلاثة تنزيلات فقط خلال خمسة ايام
في عصرنا الحالي، يشهد العالم تحولات جيوسياسية عالمية متسارعة في النظام الدولي نتيجة للتأثيرات المتداخلة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمعلوماتية، والعسكرية ما يعيد تشكيل المفاهيم التقليدية للقوة في إطار السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. فقد أدت العولمة المتزايدة، والتقدم التكنولوجي السريع، والتداخل الثقافي إلى إعادة تقييم الاعتماد على القوة العسكرية كوسيلة وحيدة للحفاظ على المصالح الوطنية أو تعزيز النفوذ الدولي وبدلا من ذلك برزت أشكال جديدة من القوة أكثر مرونة واستدامة، تتميز بانخفاض تكاليفها النسبية مقارنة بالوسائل التقليدية، وتعرف باسم القوة الناعمة. تعتمد هذه القوة على مبادئ الإقناع والجاذبية الثقافية بدلا من الإكراه، وتشجع على الحوار البناء، وتعزز التعاون المتبادل، لتصبح بذلك عنصرا أساسيا في صياغة السياسات الخارجية للدول الطامحة إلى دور عالمي مستدام.
تتجاوز القوة الناعمة حدود الصراعات السياسية لتشمل مجالات متنوعة ومتداخلة مثل الثقافة والفنون، والإعلام الرقمي والتقليدي، والتعليم العالي والبحث العلمي، والتكنولوجيا المتقدمة، والمساعدات الإنسانية، فهي لا تقتصر على بناء صورة إيجابية للدولة، بل تسهم في إقامة شراكات استراتيجية طويلة الأجل، وتشكيل القيم والمعايير العالمية، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري في هذا السياق، تثبت القوة الناعمة فعاليتها العميقة مقارنة بالوسائل القسرية، إذ توفر للدول أدوات تأثير مستدامة، قادرة على تحقيق نتائج طويلة الأمد دون الحاجة إلى مواجهات مباشرة ما يعزز الاستقرار الدولي ويقلل من مخاطر التصعيد.
إن الدول الكبرى التي اعتمدت تاريخيا على تفوقها العسكري، مثل الولايات المتحدة وروسيا، بدأت تدرك قيود القوة الصلبة في ضمان الاستقرار السياسي أو النجاح الاستراتيجي. فقد كشفت التجارب التاريخية، مثل الحروب في فيتنام وأفغانستان، أن التفوق العسكري لا يضمن دائما تحقيق أهداف سياسية مستدامة، وغالبا ما يؤدي إلى كوارث إنسانية واقتصادية تطال جميع الأطراف، بمن في ذلك المنتصرون لذلك انتقلت أغلب دول العالم نحو مفهوم القوة الذكية، الذي يجمع بين عناصر القوة الصلبة والناعمة في إطار تكاملي، مع التركيز المتزايد على القوة الناعمة في فترات الحوار والتعاون، حيث تثبت فعاليتها في بناء جسور الثقة بين الشعوب والحكومات.
في هذا الإطار المتغير، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج رائد في تبني القوة الناعمة كعنصر أساسي في سياستها الخارجية. منذ تأسيس الاتحاد في عام 1971 على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رسخت السياسة الخارجية الإماراتية مبادئ الحوار السلمي، ونبذ الصراعات، والانفتاح على العالم بكل تنوعه الثقافي والحضاري. ومع مرور السنين، تطورت هذه المبادئ إلى استراتيجية متكاملة ومبتكرة، جعلت دولة الإمارات من أبرز الدول في المنطقة والعالم في استخدام القوة الناعمة لتحقيق أهدافها، معتمدة على رؤية مستقبلية تربط بين التنمية الداخلية والنفوذ الخارجي.