تسعى هذه الدراسة إلى استقراء دور دول الخليج في النظام الدولي، واختبار فكرة «لحظة الخليج» في السياسة الإقليمية والدولية، وتعمد إلى فحص رؤية هذه الدول لطبيعة النظام الدولي وآفاق تطوره.
وعليه، فقد قُسمت الدراسة إلى أربعة مباحث رئيسية؛ سلّط المبحث الأول الضوء على قدرات دول الخليج الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وتناول المبحث الثاني السياسات الخارجية الجديدة لدول الخليج القائمة على تصفير المشكلات والتقارب مع دول المحيط الجغرافي، والتسوية السلمية للنزاعات الإقليمية، والتركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة، وتنويع الشركاء، والتحوّط الاستراتيجي. أما المبحث الثالث، فخُصِّص لاستكشاف دور دول الخليج في النظام الدولي واستقراء رؤيتها لتطوره. وأخرًا، يحاول المبحث الرابع استشراف مستقبل دول الخليج في النظام الدولي الجديد.
والواقع أنّ السياسات الجديدة والاستراتيجيات الفعالة في المجالات المختلفة جعلت دول الخليج مهيأة للتعامل مع النظام الدولي، بل وتحقيق أقصى منفعة ممكنة مع تأمين مكانة دولية مناسبة ومتنامية.
فقد نجحت دبلوماسية المساعدات وفن الحوكمة الاقتصادي الذي اتبعته دول الخليج في أن تصبح لاعبًا إقليميًا فاعلاً، وضلعًا رئيسيًا في التوصل إلى تفاهمات تتعلق بالصراعات المختلفة داخل منطقة الشرق الأوسط، بصفتها جهات مانحة للمساعدات، وكذلك من المستثمرين الرئيسيين في المشاريع داخل دول المنطقة، وهو ما مكنها من ممارسة دور نشط في السياسة الخارجية استنادًا إلى قدرات اقتصادية قوية تسند ذلك الدور.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد استطاعت دول الخليج أن تقدم نفسها بصفتها قوة اقتصادية قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية؛ وذلك يرجع إلى الإصلاحات الهيكلية، وتطبيق معايير الحكم الرشيد، إذ اتجهت إلى تنويع مصادر الطاقة المتجددة. وفي الوقت نفسه، تتمتع دول الخليج بالمساحات الفارغة والإشعاع الشمسي الوافر، مما يمكنها من أن تكون رائدة في قيادة التحول العالمي للطاقة المتجددة.
وعلاوة على ذلك، فقد أسهمت السياسات الخارجية الجديدة والاستراتيجيات العسكرية الفعّالة في تأمين دور خارجي، إقليمي ودولي، متنام لدول الخليج، وفي تحقيق الاستقلال الاستراتيجي النسبي عن الغرب والولايات المتحدة.
وبالنسبة إلى مستقبل النظام الدولي ودور دول الخليج فيه، فإنّ النظام الدولي الراهن يتجه إلى التعددية، وأن دول الخليج تفضل نظامًا دوليًا متعدد الأقطاب؛ لأنه يتيح لها حرية الحركة في السياسة الدولية، ويزيد إمكانات متابعتها لسياسة خارجية مستقلة، ويمنحها فرصة تنويع الشركاء على المستويين الاقتصادي والاستراتيجي. كما أنّ النظام الدولي التعددي يرفد السياسات الخارجية الخليجية الجديدة بفرص لتحقيق أولوياتها المتمثلة في الإسهام في التسوية السلمية للصراعات الدولية، ومن ثم التركيز على جهود التنمية الشاملة والمستدامة.