لعب الأمن بمفهومه الشامل دورًا أساسيًا في بناء الحضارات والشعوب، وقد عرفت الدول التي تتقدم العالم اليوم، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، هذا السر، واجتهدت في تحقيقه منذ نهاية القرن الماضي.
ولكن التحديات التي تواجه العالم، من حيث المحافظة على الأمن، تغيرت وتطورت وتشعبت، فظهرت أنماط جديدة من التهديدات غير التقليدية، وشكلت موضوعات مستحدثة للأمن تتمثل أبرزها في: تأمين سلاسل الغذاء، ومصادر الطاقة، ومواجهة مخاطر تغير المناخ، وانتشار الأوبئة، ولم يعد الأمن مقتصرًا في مفهومه الضيق الشائع المقترن بدفع هجوم قوة غاشمة.
اقتضى هذا الوضع الجديد مرونة في بناء القواعد والمرتكزات لمفهوم "الأمن" العام؛ وبالخصوص "الأمن القومي"، التي يمكن حصرها في مستوياته المتعاظلة والمترابطة انطلاقًا من المستوى الفردي والوطني، إلى المستوى القومي، فالإقليمي، ليشمل في نهاية المطاف المستوى الدولي والكوني. ولا يتم ذلك إلا بمعالجة أبعاده التي تتخطى الجانب الأمني في مفهومه الضيق لتشمل الجوانب الاجتماعية والبيئية والصحية والغذائية والثقافية؛ فالأمن ظاهرة مركبة مختلفة الأبعاد تمتد نحو الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الدولية.
وبما أن الصراع هو النقيض المباشر الطبيعي لمفهوم الأمن، كان لا بد في هذه المقاربة من تناول مفهوم الصراع وتفسير ظاهرة الصراع الدولي بالبحث عن الأسباب الثاوية وراءه، من قبيل الأسباب النفسية والأيديولوجية والمتعلقة بالنظام السياسي والمدخل الاجتماعي والسباق من أجل التسلح.
ولما كان الشرق الأوسط عبر التاريخ قلب العالم وسرته، فقد بحث المؤلف في قضايا الصراع في هذه المنطقة الموسومة دائمًا بأنها منطقة صراعات دائمة، وناقش الهوية الثقافية الجيوسياسية للشرق الأوسط، التي تحتاج إلى إعادة صناعة وصياغة متمهلة عميقة تتبناها دول الشرق الأوسط وتعيد تحديد جميع السياسات الدولية تجاه المنطقة، بما فيها وضع خارطة طريق للشرق الأوسط مع استعراض للرؤية الإماراتية لوجه الشرق الأوسط الجديد من خلال نادي دول القوى الإقليمية الذي يهتم بالسلام والتسامح في الإقليم وإغلاق قنوات الحرب وفتح قنوات السلام على وجه الخصوص، مقدّمةً في كل ذلك المصالح العليا للمنطقة والأهداف الاستراتيجية ومستقبل الأجيال والشعوب.
تعددت تحديات الأمن من جهتَي التطور التكنولوجي والمشاكل الصحية التي يعانيها البشر، ولعل أبرز ملمحين لهذه التحديات الجديدة ما تعلق بالأمن السيبراني، وما ظهر خلال فترة كورونا التي عاشها العالم خلال 2020-2021 ورسمت فيها دولة الإمارات مثالًا للنموذج الحكيم الناجح في الداخل والخارج.
لقد نجحت الإمارات في إرساء العدالة المجتمعية والمساواة في الحقوق والواجبات وتعزيزهما بصرف النظر عن الدين والعرق والمذهب، ورسّخت تكافؤ الفرص مع الإبقاء على الخصوصيات الثقافية التي تُعزز مبدأ التنوع وترسّخه في إطار الوحدة وصون الحريات واحترام حقوق الإنسان، والذي يضمن الحقوق الدستورية والشرعية للأفراد عبر حكم عادل يراعي شؤون الجميع من مواطنين ومقيمين وزائرين، ويعمل على توفير أسباب الطمأنينة الكاملة لهم.
وهذا وجه من وجوه قوة دولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، تدعمها في كل ذلك القوة الاستراتيجية في القدرة على ضمان الاستقرار والسيادة والنمو وإحكام شبكة العلاقات الخارجية، بالوسائل الدبلوماسية الذكية، ومعالجة التحديات بحكمة وموضوعية، والإقناع بخطتها الدولية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف الذي استشرى منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وهي في ذلك كله ترسم مقاربة متميزة لمفهوم "الأمن"، وتنجح في تحقيقه على أرض الواقع، وتعمل على دعمه والاستزادة منه بقيادة رشيدة وفكر ثاقب من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله.