اتجاهات استراتيجية (31)

إدارة الأزمات الإعلامية الرقمية: من التخطيط إلى حملة “تبليك بدون تعليق”

07 نوفمبر 2025

Publication Thumb

ISBN: 978-9948-690-59-7

د.إ 15

يمكنك الحصول على نسختك بصيغة PDF، مع السماح بثلاثة تنزيلات فقط خلال خمسة ايام

شهد العالم، خلال العقدين الأخيرين، تحولات عميقة في بنية الاتصال والإعلام؛ إذ لم يعد الإعلام محصورًا في دوره التقليدي كوسيلة لنقل الأخبار أو منصة لتداول المعلومات، بل أصبح بيئة سيبرانية متكاملة تتقاطع فيها التكنولوجيات الرقمية مع التفاعلات الاجتماعية، لتشكل فضاء عاما جديدًا تتحدد داخله أنماط التفكير، والسلوك، والاتجاهات السياسية، والاجتماعية. ومع هذا التحول البنيوي، برزت الأزمات الإعلامية الرقمية كأحد أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه المؤسسات والدول والأفراد؛ فهي لم تعد مجرد أحداث عابرة أو مواقف استثنائية قصيرة الأمد، بل تحولت إلى ظواهر مركبة ذات أبعاد تقنية، واجتماعية واقتصادية، وسياسية، قادرة على إعادة صياغة الرأي العام، وتهديد سمعة المؤسسات والدول، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي.

وفي عالم تقاس فيه الاستجابات بالثواني، فإن إدارة الأزمات الإعلامية لم تعد خيارًا أو نشاطا اتصاليًا ثانويا، وإنما أصبحت معركة وجودية تدار وفق قواعد جديدة فرضها الإعلام الرقمي بمختلف منصاته. فقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي عاملا حاسما في صناعة الأحداث، وتشكيل السرديات العامة، في فضاء لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا يخضع للتراتبية الهرمية، ولا يميز بين فرد ومؤسسة.

إننا نعيش عصرا تهيمن فيه السرعة على دورة الأخبار، وتفرض فيه المنصات الرقمية واقعًا جديدًا يجعل من الأزمات الإعلامية عواصف رقمية قد تنطلق من تغريدة عابرة، أو مقطع مصور قصير، أو شائعة تبث في دقائق، لكنها تترك أثرًا قد يستمر سنوات. إن هذه الطبيعة المتسارعة وغير المتوقعة تجعل من إدارة الأزمات الإعلامية الرقمية مهارة استراتيجية للبقاء المؤسسي والوطني، لا تقتصر على حماية السمعة، بل تمتد إلى الحفاظ على ثقة المجتمع، واستقرار الأداء، ومصداقية الرسالة الاتصالية، فالعالم الرقمي لا يمنح المؤسسات فرصة ثانية لتصحيح إخفاقها الأول؛ إذ إن أي فراغ اتصالي أو تفاعل مرتبك يفتح الباب واسعا أمام الشائعات والخصوم لإعادة صياغة السردية وفق مصالحهم.

وتكمن خطورة الأزمات الإعلامية الرقمية في قدرتها على تضخيم أحداث بسيطة إلى فضائح كبرى بفعل الانتشار الفوري للإعلام الرقمي فغياب الرد المناسب، أو سوء تقدير التفاعل الجماهيري قد يحول أزمة محدودة إلى أزمة ممتدة تتجاوز السيطرة. وعلى النقيض من ذلك، يمكن عبر استجابة مدروسة وذكية أن تحتوى أزمات أعقد وأكثر خطورة، سواء عبر الصمت الاستراتيجي في أوقات محددة، أو من خلال إطلاق مبادرات اتصالية مبتكرة وسريعة تعيد توجيه مسار النقاش العام.