
ISBN: 978-9948-703-89-1
د.إ 30
يمكنك الحصول على نسختك بصيغة PDF، مع السماح بثلاثة تنزيلات فقط خلال خمسة ايام
عندما أخبرت أصدقائي أنني أنوي تأليف كتاب عن المياه، تراوحت ردود الأفعال بصورة عامة بين التساؤل بلطف مشوب بالفضول إلى الشك الصريح، وعندما قلت بعد ذلك إنني أعتقد أن الماء سيكتب تاريخ القرن الحادي والعشرين مع آثار عميقة في البشرية والكوكب معا، فمن الإنصاف القول إن الدهشة ارتسمت على وجوههم.
بيد أنني عندما شرحت لهم أن المياه العذبة التي نحتاج إليها للبقاء على قيد الحياة تشكل نسبة %3% فقط من مجموع كميات المياه في العالم، وأن معظمها محتجز في الجليد القطبي والأنهار الجليدية، بدأوا في الاستماع باهتمام. وعندما أوضحت أن هذا المورد المحدود يجب أن يخدم اليوم 7.8 مليارات نسمة، مقارنة بـ 1.6 مليار نسمة فقط في بداية القرن العشرين، وأن التنافس عليه يمكن أن يشعل صراعات عالمية، بدأوا في الانتباه. وبحلول الوقت الذي بدأنا فيه مناقشة كيف يمكن للتغير المناخي العالمي أن يؤثر في توزيع المياه، ويغيّر أنماط الأمراض العالمية، ويؤثر في احتمالية حدوث هجرات جماعية، بدأوا يعتقدون أن الأمر ليس بالفكرة المجنونة على الإطلاق.
يؤثر الماء وخصائصه في كل شيء في بيئتنا الطبيعية، وفي أمور كثيرة نعدها من المسلمات في العالم من حولنا. فعلى سبيل المثال، عندما يكون أطول يوم في نصف الكرة الشمالي في 21 يونيو، فإن أشد فترات الصيف حرارة وأدفأ درجات حرارة البحر تكون في يوليو وأغسطس. وبالمنطق نفسه بينما يصادف أقصر يوم في السنة 21 ديسمبر، فإن أبرد طقس يكون في يناير وفبراير، ولا تبدأ المياه شديدة البرودة في الدفء إلا بعد الاعتدال الربيعي في 21 مارس ولو كانت أشد فتراتنا دفنا أو برودة تعتمد فقط على كمية الطاقة التي نتلقاها من الشمس، لكان منتصف الصيف هو الأشد حرا وفترة عيد الميلاد هي الأشد برودة. غير أن الأمر ليس كذلك. ولعله لا يدور في خلدنا أبدًا التفكير في أن هذه الظاهرة مدفوعة بالكامل بخصائص الماء الفيزيائية، وهي أن الماء يسخن ويبرد بشكل أبطأ بكثير من اليابسة. وعلى الرغم من شدة تأثير الماء في الوجود البشري، فإننا غالبا ما نخفق في إدراك مدى تأثيره.
كانت لدي ثلاثة دوافع رئيسية وراء هذا المشروع الأول هو إيماني بأن حقنا الإنساني الأساسي والأولي يجب أن يكون الوصول إلى المياه النظيفة، ليس من أجل الصحة فحسب، بل من أجل الحياة نفسها، لقد قضيت جزءا كبيرا من حياتي في مناقشة مسألة الوصول إلى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكيفية تعزيزها وتوسيع أفقها فهي جميعا وسائل مهمة يمكننا من خلالها تحسين أحوال الإنسان، ولكن يمكنك في نهاية المطاف البقاء على قيد الحياة من دونها، وإن كان بشكل غير كامل، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الماء.