يرتكز الوجود البشري على التواصل منذ أن خلق الله تعالى الإنسان، ذلك لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، وهذا ما ساعده على بناء المجتمعات، وتكوين العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، ومنه إلى العلاقات بين الدول، حيث تطورت العلاقات الدولية بتطور الحياة البشرية ونظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالعلاقات الدولية في العصور القديمة ليست كما هي اليوم، حيث اختلفت أطراف تلك العلاقات، واختلفت قوة أطرافها.
ويمثل مفهوم القوة حجر أساس في العلاقات الدولية، خاصة مفهوم القوة بشكليها الصلب والعنيف فالقدرة العسكرية أحد أبرز عناصر قوة الدولة، سواء كانت هذه القوة تستخدم بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق التهديد أو منع المعونات ... الخ. وقد بذل المجتمع الدولي جهودًا هائلة من أجل تنظيم السيطرة على استخدام القوة العسكرية، سعيا منه نحو خلق مجتمع متحضر ومتطور، وأيضاً لمنع جرائم عنيفة ومذابح شديدة العنف خاصة بعد تطور أسلحة الدمار الشامل
وتعد القوة الناعمة Soft Power من المفاهيم الحديثة نسبياً التي جذبت اهتمام الكتاب والسياسيين على السواء. فقد ظهر المفهوم في أدبيات العلاقات الدولية في مطلع تسعينيات القرن العشرين للتأكيد على أهمية الأدوات غير العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية، وقدرة الدولة على التأثير في غيرها من الدول، وتحقيق أهدافها ومصالحها من خلال التأثير الثقافي أو الأيديولوجي. فالقوة الناعمة في مضمونها تُعد مفهوماً وصفياً أكثر منه معيارياً أو قيمياً تفضيلياً، بحيث تتشابه القوة الناعمة مع الأشكال الأخرى للقوة في إمكانية استخدامها أو في طريقة توظيفها، وقد أصبح من الصعب في العصر الحديث استخدام القوة العسكرية المفرطة لتحقيق الأهداف، فعلى الرغم من ضرورتها لكن هناك قوة أخرى أقل تكلفة وتحقق نفس الأهداف، وهي القوة الناعمة.
ويرجع الاهتمام بالقوة الناعمة إلى بداية الاهتمام بالثقافة والدبلوماسية الشعبية والرأي العام في العلاقات الدولية منذ الحرب الباردة، فكانت هناك اجتهادات من جانب بعض الكتاب للتركيز على القوة الناعمة، كالإسهام الخاص الذي أشار إليه ستيفن لوكس، عالم اجتماع وفيلسوف سياسي بريطاني، بأهمية المعتقدات والأفكار التي تساعد على جذب الآخرين والتأثير في سلوكهم، كذلك (بيتر سأشراش ومورتون باراتاز) حيث ربطا مفهوم القوة الناعمة بقدرة الدول على تعزيز القيم الاجتماعية والسياسية خاصة في القضايا التي تمس الطرف الآخر.
ويستخدم نمط القوة الناعمة عبر الفضاء الإلكتروني من خلال دعم دوره في التأثير على الرأي العام الدولي تجاه المبادرات العالمية، وفي العمليات النفسية وتكوين التحالفات الدولية وكذلك في عمل أجهزة الاستخبارات الدولية من خلال توفيرها للمعلومات، لذا أصبح للإعلام الرقمي دور هام في تحقيق أهداف الدول نحو استخدام القوة الناعمة.
لقد أفرز الإعلام الرقمي نمطاً إعلامياً يختلف في رسالته ومضمونه ومحتواه، بل حتى في وسائله المختلفة التي نجحت في تحويل عدة قضايا هامة بعد تبنيها من قبل رواده إلى قضايا رأي عام، لافتاً انتباه المجتمع المسؤولين إليها داخلياً وخارجياً، وقد أصبح هذا النمط من الإعلام بأدواته وآلياته المعبر الحقيقي عن نبض الشارع، ولن تستطيع أي جهة إعلامية في الوقت الراهن النجاح في توسيع قاعدتها الجماهيرية المستقبلية دون استقدام مباشر أو غير مباشر لوسائل الإعلام الرقمية الجديدة، ودون امتلاكها لخطة واضحة وأدوات حديثة للانخراط في حراك الإعلام الجديد