ملخص تنفيذي
- اعتمدت الدراسة في تحليلها لظاهرة الانشقاقات في جماعة الإخوان المسلمين، منذ سنوات نشأتها الأولى، وإلى ما بعد يونيو 2013، اعتمدت على عدد من المقاربات، من بينها مقاربة فجوة الأجيال، ومقاربة السوق الدينية، ومقاربة تماسك الحركة الاجتماعية، ومقاربة تمكين الشباب، من مُنطلق أن هذه المقاربات سوف تسمح بالتعرف على التغيرات التي طرأت على مسار جماعة الإخوان المسلمين ودفعت باتجاه خلخلة تماسكها، فضلًا عن تقصي الأسباب التي دفعت أفرادًا ومجموعات إلى الانسحاب منها، والكشف عن الطبيعة الإقصائية لجماعة الإخوان المسلمين، وغياب هياكلها التشاركية في ظل ثقافة الطاعة العمياء.
- شهدت جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها حتى نهاية حكم الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1970، عددًا من الانشقاقات المهمة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال اقتراب تاريخي ومؤسساتي. فمن خلال الاقتراب الأول سيتم عرض الوقائع وظروف حدوثها، أمّا الاقتراب الثاني فسيحاول إلقاء بعض الضوء على الأسباب والمحددات المؤسسية والأيديولوجية لتلك الانشقاقات. وتدور هذه الفرضيات حول مجموعة من المحددات التي تحكم مدى الانشقاق وطبيعته داخل الحركات الاجتماعية الكبرى، ومن هذه العوامل المحددة نتعرف على مدى مركزية التنظيم، وتأثير القائد الكاريزماتي، ومدى استخدام العنف داخل التنظيم، لا سيّما أن تلك الفترة قد شهدت خلافات وصراعات عميقة داخل الجماعة، مثلت البداية لخلافات عميقة ضربت الجماعة في العقود التالية.
- خلال عهد الرئيس السادات لم تشهد جماعة الإخوان المسلمين أي انشقاقات تنظيمية، صغيرة كانت أو كبيرة، بل إن الجماعة شهدت في هذه الفترة انتشارًا كبيرًا في المجتمع، ونموًا ملحوظًا في هيكلها التنظيمي، بعد أن انضم إليها مجموعات كبيرة من شباب التيار الإسلامي داخل الجامعات المصرية. وقد أسهمت عوامل عدة في عدم تعرض الإخوان لأي انشقاقات خلال هذه المرحلة التاريخية، أولها رغبة الرئيس السادات نفسه في التصالح مع الجماعة، وثانيها انشغال الجماعة بإعادة البناء التنظيمي، بالإضافة إلى نجاح المرشد الثالث عمر التلمساني في إدارة الخلافات داخل الجماعة.
- بالرغم من محافظة الجماعة على تماسكها التنظيمي في السنوات الأولى من عهد الرئيس مبارك، فإن نغمة الانشقاقات عادت مرة أخرى إلى الجماعة بعد وفاة التلمساني 1986، من خلال بعض الانشقاقات التي تعددت أسبابها وتباينت في حجمها وطبيعتها، غير أنها تمحورت حول أمرين رئيسيين: الأول، هو سلوكيات رجال النظام الخاص والقطبيين، التي أدت إلى ابتعاد "الإصلاحيين" عن الجماعة، والثاني، هو الخلافات التنظيمية حول بعض المواقف التي كانت الجماعة تتخذها إزاء بعض القضايا، لا سيّما مع بروز جيل جديد من الشباب داخل الجماعة يُعَدُّ أكثر انفتاحًا على العمل السياسي من الجيل القديم.
- الانشقاقات التي شهدتها الجماعة، منذ 25 يناير 2011 حتى وقتنا الحاضر، تُعَدُّ هي الأكبر والأخطر، بالنظر إلى كونها اتخذت الطابع الجماعي، الذي سرعان ما تحول إلى صراع على قيادة الجماعة، ثم تفاقمت حدته بسبب اختفاء معظم القيادات التاريخية الفاعلة داخل السجون المصرية، والتي كانت قادرة على حسم الصراعات وتحجيم النفوذ الداخلي، وهو ما أصاب الجماعة بحالة من السيولة التنظيمية، أصبح من الصعب معها السيطرة على الانشقاقات والانقسامات، الأمر الذى جعلنا نشهد قيادتيْن على رأس الهرم التنظيمي لجماعة الإخوان، لأول مرة في تاريخها، بعد اشتعال الصراع بين "إبراهيم منير"، و"محمود حسين"، واتهام كل طرف للآخر بالفساد المالي والإداري.
- لم تقتصر الانشقاقات على جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، بل تعدتها إلى عدد من فروعها البارزة في المنطقة العربية، وهو ما يعود الى الارتباط القوي بين الجماعة الأم وفروعها في المنطقة. وقد يُعزى ذلك إلى التقارب الجغرافي والموروثات الثقافية المشتركة، إضافة إلى الارتدادات السياسية المباشرة بين دول المنطقة، أو ما يمكن أن يُطلق عليه "العدوى السياسية"، بمعنى أن ما يحدث في دولة من الدول العربية من تطورات بأشكال مختلفة، سرعان ما تنتقل تداعياته إلى الدول الأخرى، بما فيها الأزمات التي تصيب التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل فروع الجماعة في بعض الدول، مثل الأردن وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا وفلسطين، تشهد انشقاقات وانقسامات تتشابه كثيرًا مع تلك التي ضربت الجماعة الأم في مصر .
- يبدو أن الارتباط العضوي الواضح بين جماعة الإخوان الأم في مصر، وبين التنظيم الدولي للإخوان، تسبّب في أن يتعرّض الأخير لاهتزازات قوية، تزايدت حدتها مع حالة الانقسام التي ضربت الجماعة الأم في الفترة الماضية، وذلك بالنظر إلى أن القيادات المصرية كانت حريصة على الإمساك بكل المفاصل الحيوية للتنظيم الدولي، دون منافسة من عناصر الإخوان من الجنسيات الأخرى، وهو ما جعل الأزمات الطاحنة التي تواجهها الجماعة، منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن، تنعكس بشكل كبير على التنظيم الدولي، وتزيد من حالة الضعف التي بدأت أولى حلقاتها مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما انشق إخوان الكويت عن التنظيم الدولي على وقع غزو صدام حسين لبلادهم، ثم لحق بهم إخوان البحرين والأردن والسودان وحركة النهضة التونسية، إضافة إلى حركة حماس.
- يلاحظ أن هناك جدلًا نظريًا بين المهتمين والباحثين في شأن الحركات الإسلامية عامة، والإخوان المسلمين خاصة، حول توصيف ما يحدث داخل الجماعة: هل هو انقسام؟ أم انشقاق؟. وهل أثرت هذه الانقسامات - أو الانشقاقات - في البنية التنظيمية للجماعة؟ أم لم تؤثر؟. وهناك فريق آخر يرى أن ما يحدث ليس بانشقاق ولا انقسام، وإنما هي أزمات تمر بها الجماعة، بعضها بسيط والآخر مركب. وباستثناء الانشقاقات الأخيرة، فإن الجماعة قد تمكنت من تجاوز أزماتها السابقة، وحافظت على بنيتها التنظيمية، بل واستفادت منها. لذا، فإن ما يحدث الآن داخل الجماعة يُعَدُّ أزمة مركبة، إذ خلقت الانقسامات داخل الجماعة أجنحة ثلاثة، تتصارع حول الجماعة، وإنْ لم يَدَّعِ أيٌّ منها الخروج عنها، ولا تأسيس جماعات موازية لها. وهذا ما يجعل الجماعة أمام أربعة سيناريوهات مستقبلية محتملة، أولها: استمرار الصراع بين هذه الأجنحة مع حدوث انشقاقات المحدودة، وثانيها: استمرار الصراع بين هذه الأجنحة مع حدوث انشقاقات الكبيرة. وثالثها: انتهاء صراع الأجنحة وعودة التماسك للجماعة، وهو سيناريو ضعيف، لكن لا يمكن استبعاده بشكل مطلق، إذا ما نجحت الجماعة في طي صفحة الخلافات داخلها. أمّا السيناريو الرابع والأخير - والذي يبدو هو الأرجح - فيتمثل في بقاء الجماعة واستمرارها، ولكن في حالة من الضعف والهوان الشديد.